قراءة تحليلية مختزلة لتقرير «ساما» (47)
كشف التقرير السنوي السابع والأربعون، الذي صدر أخيراً عن مؤسسة النقد العربي السعودي ''ساما''، عن أحدث التطورات، التي شهدها الاقتصاد العالمي والاقتصاد المحلي، بما في ذلك الأنشطة والقطاعات الاقتصادية والمالية، ذات العلاقة، مثل أسواق النفط العالمية، والقطاع المصرفي السعودي، وسوق رأس المال المحلي، والتجارة والصناعة، وإلى غير ذلك من القطاعات والأنشطة الاقتصادية الأخرى.
بالنسبة لأحدث التطورات والمتغيرات، التي طالت الاقتصاد العالمي، وفقما أوضح التقرير، فإن بوادر آثار التعافي بدأت تظهر على أداء الاقتصاد العالمي خلال العام الماضي، نتيجة لعدد من العوامل، من بينها انحسار التخوف من حدوث حالة من الكساد العالمي، مما انعكس بشكل إيجابي على ثقة المستهلكين وانتعاش الإنتاج. وعلى النقيض من ذلك تجدد حدوث الأزمات المالية في بعض دول منطقة اليورو، بالشكل الذي أسهم إلى حد كبير في تعزيز المخاطر والتخوف من تطورات سلبية قد تنعكس على أداء الاقتصاد العالمي، ولكن رغم ذلك حقق عدد من اقتصادات الدول الناشئة واقتصادات في دول آسيا النامية، نمواً اقتصادياً قوياً، حيث على سبيل المثال، سجلت كل من الصين والهند من بين مجموعة دول البريك، نمواً بلغ 10.3 في المائة و10.4 في المائة على التوالي في العام الماضي، في حين سجلت دول آسيا النامية نمواً بلغ 9.5 في المائة.
بالنسبة لأداء الاقتصاد الوطني، فعلى الرغم من الأزمات المالية المتلاحقة، التي حلت بالاقتصاد العالمي خلال السنوات الثلاث الماضية، بدءا من الأزمة المالية العالمية في عام 2008، وانتهاء بالأزمة الأوروبية، إلا أن الاقتصاد الوطني نتيجة لمحافظة النفط عالميا على أسعار مرتفعة نسبياً خلال العام الماضي، تمكن الناتج المحلي الإجمالي من تسجيل نمو مرتفع بالأسعار الجارية (يشمل رسوم الاستيراد) بلغت نسبته 18.8 في المائة ليبلغ نحو 1679.1 مليار ريال، كما ارتفع الناتج المحلي للقطاع النفطي بنسبة 31.6 في المائة، ليبلغ نحو 837.6 مليار ريال، في حين سجل الناتج المحلي للقطاع غير النفطي نمواً بلغت نسبته 7.5 في المائة، ليبلغ نحو 792.8 مليار ريال، وارتفع معدل نمو ناتج القطاع الخاص غير النفطي بنسبة بلغت 6.3 في المائة، ليبلغ 482.6 مليار ريال، وارتفع كذلك ناتج القطاع الحكومي غير النفطي بنسبة 9.3 في المائة ليبلغ 310.1 مليار ريال. ويتوقع أن يستمر نمو الاقتصاد السعودي خلال العام الجاري بالوتيرة نفسها، حيث تشير التوقعات إلى أن يصل نمو الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة بنسبة 5.1 في المائة، وأن تسجل الميزانية العامة للدولة فائضاً يبلغ نحو 185.3 مليار ريال، أي ما يقارب نحو 9.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، بعدما توقع أن تحقق الميزانية عجزا يبلغ 40 مليار ريال.
بالنسبة للسياسة النقدية، فقد استمرت مؤسسة النقد العربي السعودي ''ساما'' خلال العام الماضي في اتباع سياسة نقدية تعمل على استقرار السيولة في النظام النقدي والاقتصادي، وبما يمكن القطاع المصرفي من توفير التمويل اللازم للقطاع الخاص، لتمكينه من القيام بأداء المسؤوليات التنموية المنوطة به على الوجه المطلوب.
بالنسبة للدين العام، استمرت الحكومة في انتهاج سياسة تعمل على تخفيض حجم الدين العام إلى مستويات منخفضة للغاية نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، ونتيجة لانتهاج هذه السياسة، التي بدأتها الدولة في عام 2003 مع بداية التحسن في المالية العامة، بلغ حجم الدين العام في نهاية العام الماضي مستوى منخفضا في حدود 167 مليار ريال مقارنة بما كان عليه في عام 2009، حيث بلغ 225 مليار ريال، وانخفضت تبعاً لتلك السياسة، نسبة الدين العام للناتج المحلي الإجمالي في عام 2010 إلى نسبة 10.2 في المائة بعد أن كانت نحو 16 في المائة في نهاية عام 2009، ولم تصدر الدولة أي دين خلال العام الماضي.
القطاع المصرفي، الذي يعد أحد شرايين الاقتصاد المحلي الرئيسة، تمكن هو الآخر من المحافظة على سلامة مركزه المالي خلال العام الماضي، حيث أظهرت المصارف التجارية العاملة في المملكة أداء ماليا جيدا، عزز من متانة مراكزها المالية، ومكنها من أداء دورها المطلوب في العملية التنموية في المملكة، وتوفير السيولة اللازمة للقطاع الخاص، التي تلبي احتياجاته التمويلية، ليتمكن بذلك من تنفيذ المشاريع الموكلة إليه في مجالات تنموية مختلفة، وفقاً لما هو محدد ومخطط له مسبقاً.
خلاصة القول، أنه على الرغم من حدة الأزمات المالية والاقتصادية المتلاحقة، التي حلت بالاقتصاد العالمي خلال السنوات الثلاث الماضية، بدءا من الأزمة المالية العالمية في منتصف عام 2008، وانتهاء بأزمة منطقة اليورو، إلا أن الاقتصاد السعودي والأنشطة الاقتصادية والمالية والمصرفية الأخرى، تمكنت من تحقيق معدلات نمو جيدة للغاية، حيث على سبيل المثال، واصل اقتصاد المملكة خلال العام الماضي نموه للعام الحادي عشر على التوالي بنسبة 4.1 في المائة، ما يؤكد قدرة الاقتصاد السعودي على التعامل مع الأزمات المالية العالمية، وبالذات في ظل استمرار انتهاج الحكومة السعودية سياسة إنفاق توسعية، ومحافظة أسعار النفط العالمية على مستويات أو نطاقات سعرية مقبولة، تمكن الاقتصاد المحلي من الاستمرار في تحقيق معدلات نمو جيدة، بما في ذلك القطاعات والأنشطة الاقتصادية والمالية الأخرى ذات العلاقة والارتباط المباشر بأداء الاقتصاد الكلي.