التربية الأسرية والفساد الوظيفي
في المجتمعات العربية يعتبر المجتمع عنصرا مهما جدا وإن كان ذلك على حساب الفرد نفسه، فكل شيء لابد أن يطوع وفق عادات المجتمع حتى وإن كانت تلك العادات غير صحيحة أو أنها سبب أساسي في ضرر الفرد، إلا أن المجتمع في نظر الكثيرين هو الأهم، ولو لاحظنا ببساطة شديدة الكيفية التي تمارس بها الأسر العربية التربية للأبناء سنجد أنها منذ الصغر تدعم وبقوة الجانب الاجتماعي بل إنها لتبني سمات الشخصية للابن انطلاقا من المحك الاجتماعي، وليست من تنمية المحك الداخلي للابن، الأمر الذي يجعل الرقابة الخارجية تأخذ حيزا كبيرا في تقييم سلوك الفرد بل حتى سماته الشخصية ليس أمام نفسه فقط بل من منطلق التقييم الأسري ليأخذ هذا المعيار مجالا كبيرا ابتداء من التصرفات البسيطة وحتى الأكثر أهمية، فبمجرد أن يفعل الطفل شيئا سلبيا سرعان ما تخيفه الأم بأنها ستخبر والده لينال عقابه بل لا تحاول حتى للحظة أن تقنعه بمبررات المنع أو حتى أن تقنعه بمبررات تدعيم السلوك الإيجابي، ودون مبالغة فإن كثيرا من أسس التربية في العالم العربي تقوم على الرقابة من الخارج لتقتل بصورة كبيرة الرقابة الداخلية، وهذا ما يجعل الفرد مستقبلا يسير على النهج نفسه فترى الموظف ملتزما بعمله ما دام مديره موجودا، وهذا ما يشر إلى فلسفة الفشل في العمل، فالكارثة الكبرى هو أن يكون المدير كرقابة خارجية هو السبب في إنجاز العمل والعكس عندما يغيب المدير أو المسؤول الأعلى، ومن هنا تبدأ فكرة الفساد في العمل ليعتبر بعض الموظفين أن كل ما هو غير مراقب حلال، وأن لا مكان لديه للضمير أو معيار الحلال والحرام لأنه منذ البداية نشأ على مبدأ الخوف من المحيط الخارجي قبل كل شيء وفي المقابل لو نظرنا إلى الدول المتقدمة لوجدنا أن أغلب مجالات العمل تقوم على مبدأ الإنجاز للعمل وليس على مبدأ الدوام من الساعة .. إلى الساعة .. بينما خلال الدوام في المجتمعات العربية ربما لا ينجز البعض جزءا من أجزاء من أعمال مطلوب إنجازها فقط ولكن الأهم عند هؤلاء هو توقيع الحضور والانصراف وتأجيل العمل ولا يتوقف الأمر إلى هذا الحد بل قد يترجم الفساد إلى ما يسمى بالفساد الوظيفي الذي يستغل فيه الموظف منصبه في تحقيق رغباته الشخصية وتفعيل الوساطات والتعمد في عرقلة بعض الأعمال، ولك عموما يظل استغلال المنصب ليست ظاهرة محلية وإنما هي ظاهرة عالمية ولكن تختلف من بلد إلى آخر وعلى أي حال فإن المرسوم الملكي من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله - يحفظه الله - بتأسيس هيئة مكافحة الفساد بما في ذلك استغلال المناصب أي الفساد الإداري هي خطوة أكثر من رائعة تعمل من منطلق حماية مصالح المجتمع من ذوي النفوس الضعيفة التي لا تستحق إلا العقاب.