الأوروبيون فضحوا الخليجيين

كم كان لافتا موقف دول الاتحاد الأوروبي الموحد والصارم ضد النظام الإيراني. فعندما تعرضت سفارة دولة أوروبية لاعتداء في طهران، وقفت بقية الدول وقفة رجل واحد. اجتمعوا سريعا. اتخذوا قرارات موحدة، وأقروا عقوبات اقتصادية مشددة، ولم تلعب دولهم لعبة البراغماتية التي تبرع بها بعض دولنا الخليجية.
هذا ما فعله الأوروبيون، لكن انظروا كيف يتعاطى الخليجيون مع الملف الإيراني. المبدأ معروف، وممل، ''لا يموت الذيب ولا تفنى الغنم''. تخرج بيانات تلي البيانات من مجلس التعاون الخليجي. يسعد المواطن وهو يرى هذا الترابط والمواقف الموحدة، التي تسد الباب ولو جزئيا لتدخلات إيران، لكنه سريعا ما يصدم، فكل هذه القرارات حبر على ورق، لا معنى لها على أرض الواقع، بل إن بعض الدول تناقض هذه القرارات في اليوم الآخر، فهي تسجل هدفا هنا في المرمى الإيراني، ثم تساعد طهران على تسجيل أهدافها. براغماتية في غاية الروعة.
ولعل أبرز مثل قائم لدينا إلى الآن، التدخل الإيراني في الشؤون الخليجية وهجومها المتواصل على بقاء قوات درع الجزيرة في البحرين. مظاهرات صاخبة في طهران ضد الأنظمة الخليجية الحاكمة. تصريحات ومواقف إيرانية رسمية تسيء لدول الخليج. وتصرفات طائشة هنا وهناك. فما الذي حدث؟ اجتمع وزراء خارجية دول المجلس، وأصدروا بيانا شديد اللهجة ضد طهران. توقع المواطن الخليجي أن هذه بداية حقيقية لمواقف لا تتغير ولا تتبدل. لكن سرعان ما خاب أمل الشارع الخليجي، فقرارات المجلس الوزاري لم تكن سوى مخدر لشعوبهم.. فكيف حدث ذلك؟
ما حدث أنه سرعان ما التف وزير الخارجية الإيراني على مواقف أربع دول خليجية كاملة، وقام بزيارات رسمية لهذه العواصم كاسرا كل الحواجز التي وضعها بيان المجلس، وكأنه لم يكن، بل إن مسؤولين خليجيين كبارا زاروا طهران خلال الفترة نفسها، حتى يخيل للمراقب وهو يرى هذه الزيارات الودية المتبادلة، أنها تأتي في أوج العلاقات الخليجية الإيرانية، وليس في أسوأ أوقاتها.
الأوروبيون لم يقدموا فقط درسا جديدا في كيفية حماية مصالحهم المشتركة، فموقفهم هذا مبني على مبادئ لا تنتهك. لا توجد قرارات موجهة للشعوب، وأخرى خارجية، وثالثة لذر الرماد على العيون. أما مجلسنا التعاوني الخليجي، فالمواقف تتبدل وتتغير وتختلف خلال ساعات، فأي ثقة سيجنيها المواطن الخليجي من هذا التجمع، ودوله تتباين مواقفها في قضايا رئيسية؟ فعلا الأوروبيون فضحوا مواقف الخليجيين.
عندما سألت مسؤولا خليجيا عن هذا التباين، قال إنه يأتي في إطار ''توزيع الأدوار''، معترفا بأن ما تستطيع دولة كبرى وقوية مثل السعودية القيام به من مواقف حازمة أمام التدخلات الإيرانية، لا تستطيع باقي الدول القيام به. أفهم هذا التبرير، المنطقي في علم السياسة، لكن ما لا أفهمه الاحتفائية المبالغة التي تصر عليها بعض دول الخليج في مسيرة علاقاتها مع طهران، ومعاكسة قرارات مجلس التعاون وكأنها لم تصدر. قليلا من الإقناع لشعوبكم يا سادة!
طبيعي أن تكون لكل دولة سيادتها التي لا ينازعها عليها أحد، لكن غير طبيعي ولا مقبول، أن يكون هناك موقفان مختلفان، أحدهما يهاجم إيران، والآخر يطبطب عليها، ويفتح لها الأبواب الخلفية. لماذا تتحمل دولة بعينها تبعات توتر العلاقات الخليجية ــــ الإيرانية، بينما تنعم دول أخرى، هي المتضرر الأكبر من إيران، بعلاقات متميزة سياسيا واقتصاديا؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي