تطبيع العلاقات في مشاريع التنمية

تتولى وزارة الاقتصاد والتخطيط إعداد الخطة الخمسية للتنمية بناء على دراسة وتحليل لأداء الاقتصاد الوطني ومكوناته ومعلومات وبيانات إحصائية أخرى، وكذلك بناء على مشروع خطة كل جهة حكومية تضمنها برامجها ومشاريعها للسنوات الخمس المقبلة، كما تتولى متابعة التنفيذ بتقارير متابعة سنوية تعدها وتبعثها إليها الجهات نفسها تحدد فيها ما تم إنجازه بالنسبة المئوية لما هو معتمد في خطتها بالتفصيل لكل مشروع أو برنامج، حيث تراجع وزارة الاقتصاد والتخطيط ما تضمنته تقارير الجهات في ضوء ما هو محدد في خطط الجهات ومدى التزامها بالبرنامج الزمني، ثم ترفع الوزارة ذلك كله إلى مجلس الوزراء عند نهاية كل عام كوثيقة لواقع الإنجاز الكلي في مختلف قطاعات التنمية.
هذا المسار لرحلة الإعداد وإقرار البرامج والمشاريع الخاصة بكل جهة وتنفيذها يثير لدى البعض اللبس والخلط بين دور محدد للتخطيط كجهاز فني وبين دور الجهات الحكومية كجهات مسؤولة عن التنفيذ، فغالبا ما يتم تحميل "التخطيط" مسؤولية عدم التنفيذ لهذا المشروع أو ذاك، مثلما يتم تحميلها عدم اعتمادها ما يراه البعض يحتاج إلى اعتماد.. وطبعا هذا الخلط بين إعداد الخطة الخمسية ومسؤولية وزارة الاقتصاد والتخطيط التي لا تستطيع من ناحية اعتماد برنامج لجهة أو مشروع ما لم يكن مطلوبا من الجهة نفسها كضرورة وتم التنسيق والتباحث حوله بين الطرفين وكذا حدود مسؤوليتها في التنفيذ الذي يتوقف دورها فيه على متابعته فقط من خلال تقرير متابعة الجهة نفسها.. هذا الخلط.. هو في الواقع سبب الكتابات الحائرة والأسئلة الدائرة تجاه ما يحدث لهذا الإنفاق الهائل على مشاريع التنمية طالما أنها أو بعضها متعثرة وطالما أن الجهات لا تتم مساءلتها عن التأخير ولا هي تصرح عن أسبابه.
إن وزارة الاقتصاد والتخطيط لا تملك سلطة المحاسبة بقدر ما هي ملزمة بالرفع لمجلس الوزراء عن حصاد ما يتم إنجازه، وهو وضع غالبا ما تثور حوله سجالات في صحافتنا وإعلامنا، خصوصا عندما يقوم مجلس الشورى بمناقشة تقرير إحدى الجهات الذي يحال إليه من مجلس الوزراء بعد أن يكون قد سبق إرساله لمجلس الوزراء في موعد محدد بعد نهاية كل عام لا مجال لتجاوزه من قبل التخطيط، لكن حين يناقش "الشورى" التقارير يعتقد بعض المتابعين لنقاش "الشورى" أن الوزارة مسؤولة عن التأخير في إعدادها، بينما الأمر ليس كذلك، إذ هناك وقت يستنفد في مراجعتها من قبل الجهات المختصة في مجلس الوزراء قبل إرسالها لـ "الشورى"، كما يسارع البعض إلى تحميل الوزارة ما جرى من تعثر أو بطء في التنفيذ أو عدم الاعتماد. وهو ما لا دور لها فيه.
لا شك في أن غاية ما يثور من نقاش وتساؤلات لا يعبر إلا عن الرغبة في أن يكون الإنفاق والبرنامج الزمني والتنفيذ للمشاريع محكومة بآلية لديها الصلاحيات في مساءلة هذه الجهة الحكومية أو تلك عن التقصير، وكذلك إتاحة هذه المعلومات للنشر بشفافية تجعل الكتابات وفضاء الإعلام وسيلة تقويم من خلال النقد والتحليل الموضوعيين المبنيين على صراحة البيانات.
وإذا كان مجلس الشورى أو وزارة الاقتصاد والتخطيط ليس لديهما هذه الآلية وصلاحيتها، فإن من المهم التفكير في تفويض "الشورى" أو "التخطيط" لإتاحة المعلومة الصحيحة حيال تعثر أو تأخر تنفيذ المشاريع لأي جهة من جهات التنمية لكيلا يستمر الخلط بين مسؤوليات الجهات التنفيذية والتخطيطية و"الشورى"، فضلا عن تحديد المسؤولية وكيفية المحاسبة والمساءلة عن التأخير ومَن المسؤول عنه، أو العقبات التي حالت دون الإنجاز في الموعد الزمني المحدد وبالمواصفات المطلوبة.
ولا نظنه من المناسب إنشاء هيئة حكومية لمتابعة تنفيذ مشاريع الدولة - كما اقترح البعض - لأن ذلك سيمثل من ناحية إضافة شكلية وترهلا في الهيكل الإداري للدولة، ومن ناحية أخرى فقد تتحول هذه الهيئة نفسها إلى مشجب بين الجهات وبين جمهور المتابعين، ولذا فقد يكون تفعيل المتابعة في وزارة الاقتصاد والتخطيط أو الشورى لمهمة كهذه أجدى، فـ "التخطيط" لن تتهاون لأنها عندئذ تدين نفسها طالما أن خطة الجهة المعتمدة صدرت عنها، كما أن "الشورى" لن يتهاون هو الآخر فهو بمهامه التي أنشئ من أجلها، المرافع عن المصلحة العامة للوطن.. فعلى أي الجانبين نميل؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي