البنوك الإسلامية بين المأمول والواقع

تعدّ البنوك الإسلامية امتدادا لحركة الإصلاح الشامل التي تنادي بها الشعوب ومنها الإصلاح الاقتصادي لأنظمة البنوك والاستثمار في البلدان الإسلامية. وقامت البنوك الإسلامية على الأسس ذاتها التي قامت عليها البنوك التجارية (التقليدية)، وهذه الأسس تنحصر إجمالا في القيام بدور الوساطة بين المدخرين والمستخدمين للموارد المالية المتاحة للبنك مع مراعاة أن البنوك التي تلتزم بالشريعة الإسلامية في أنشطتها تبتعد عن الأنشطة المحرمة التي تقوم على أساس الفائدة.
وتعد البنوك الإسلامية في أهدافها مغايرة للبنوك التقليدية من حيث تعزيزها الأنشطة التي تسهم في رفع السياسات الإيجابية للدولة الإسلامية ودعم المجتمع بخدمات تسهم في جودة أساليب العيش للفرد والمجتمع وغيرها من الخدمات الاجتماعية مثل القرض الحسن وإنشاء الصناديق المخصصة للأغراض الاجتماعية أو المساعدة على تمويلها. ولا شك أن هذه الأهداف لا تتعارض مع الأهداف الاستراتيجية للبنك والتي يشير هورفتز وبالفريمان وفورد إلى أن الهدف الأساسي للبنك التقليدي هو تعظيم ثروة الملاك، مع توخي الحذر في الاستثمار لتحقيق الأمان للمودعين، دون أن يتعرض البنك لنقص في السيولة يكون من شأنه إضعاف قدرته على تلبية مسحوبات العملاء.
وعلى الرغم من التعارض المحتمل بين هذه الأهداف على نحو جعل البعض يعترف فقط بهدف الربحية وينظر إلى الهدفين الآخرين على أنهما مجرد قيود على ذلك الهدف، فإن الربحية والسيولة والأمان تظل الإطار الذي في ضوئه تتخذ القرارات. ولا يبدو أن هناك خلافاً بين البنوك التقليدية والبنوك الإسلامية في شأن الأمان والسيولة وإن كانت أهميتهما تبدو أكبر بالنسبة للبنوك الإسلامية، فبينما يكاد ينحصر النشاط الاستثماري للبنوك التقليدية في تقديم القروض والتي عادة ما يصاحبها ضمانات من شأنها أن تقلل من حجم المخاطر التي يتعرض لها البنك، فإن صيغ الاستثمار المتاحة أمام البنوك الإسلامية (خاصة المضاربة والشراكة) تنطوي على قدر أكبر من المخاطر دون أن يظاهرها ضمانات لحماية أموال المودعين الذين يستثمرون أموالهم وفقاً لمبدأ المشاركة في الربح والخسارة، فالضمان الوحيد المتاح هو توخي الدقة في اختيار المجالات الاستثمارية التي توجه إليها موارد البنك.
ومع ما سبق فإن البنوك الإسلامية في واقعنا المعاصر سعت إلى تضخيم ثروات الملاك وهذا شيء لا إشكال فيه من حيث الأساس إلا أنها أهملت الجوانب الأخرى والتي هي من أهداف البنوك الإسلامية، ومنها على سبيل المثال الدعم الاجتماعي كالقروض الحسنة والمشاركة الفاعلة في حل مشكلة الإسكان وتخفيض هوامش الربح لبعض التمويلات الاستهلاكية للأفراد ودعم المؤسسات الاجتماعية التي تعالج قضايا الفقر ومشكلة الزواج.
لقد علق كثير من الشعوب الإسلامية آمالها على البنوك الإسلامية في تنمية المجتمعات والنظرة للأفراد والشركات بشيء من التوازن بين المتطلبات والواقع الفعلي، إلا أنه وللأسف الشديد تغيرت هذه النظرة عند مشاهدة الواقع الفعلي للبنوك، وما مشكلة سوق الأسهم وانهيار شباط (فبراير) 2006، وما كان للبنوك سبب في ذلك دون أن يكون لها أي دور في معالجة المشكلة أو بعض آثارها، بل كانت البنوك وخاصة الإسلامية تحرص على استيفاء كامل أرباحها دون النظر إلى الدمار الاقتصادي الذي أنشأته على الأفراد وكم من أسرة ما زالت تعانيها حتى هذه اللحظة، وبالنظر إلى بوادر البنوك الإسلامية وظهور بوادر التجربة للبنوك الإسلامية لأول مرة كانت في مدينة ميت غمر المصرية، وذلك في عام 1963 وإن كانت البداية الحقيقية للعمل المصرفي الإسلامي قد بدأت مع إنشاء بنك دبي الإسلامي وذلك في عام 1977. ولا تختلف الوظيفة الأساسية في تلك الفترة للبنك الإسلامي عن مثيلتها للبنك التقليدي فكلاهما يركز جهوده على دور الوساطة بين المدخرين والمستثمرين. ومع هذا ينبغي أن نعترف بوجود بعض الممارسات والأنشطة التي تؤكد وجود فروق أساسية تتعلق بالأهداف والعلاقة مع العملاء والأنشطة التي يمارسها البنك والعلاقة مع البنك المركزي وكيفية محاسبة المودعين والرقابة على أنشطة البنك. غير أن ما تجدر الإشارة إليه أن التباين في الأهداف لم يستمر طويلا في أغلب البنوك بل اقتصر على تضخيم ثروات الملاك وسعت البنوك الإسلامية إلى تعزيز اللجان الشرعية التي تؤيد المنتجات لهدف الربحية دون أي هدف آخر مما جعل القيمة الاجتماعية لها تنعدم في حياة الناس بل أصبحت مجالاً لتشكيك وللأسف الشديد.
وأختم بضرورة إعادة رسم الاستراتيجيات للبنوك الإسلامية بما يتواءم مع الأهداف الرئيسة لها التي أنشأت من أجلها مع مراعاة حياة الشعوب الإسلامية وما تحتاج إليه من تنمية شاملة على مستوى الفرد والجماعة.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، نسأل الله لكم الرضا بالقضاء واليقين بالدعاء والفوز بالجنة والنجاة من النار. وكل عام وأنتم بخير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي