إعادة هيكلة قطاع النقل أصبحت ضرورة
شخّص الدكتور عبد الله صادق دحلان، واقع النقل الجوي في بلادنا، في مقال نشر له في صحيفة ''الوطن'' في العدد 3928 بعنوان: ''النقل الجوي قضية تحتاج إلى حلول''، مؤكدا أهمية إعادة هيكلة قطاع النقل العام في بلادنا، والذي أصبح أمرا حتميا، تفرضه ظروف المتغيرات، مطالبا في الوقت نفسه، أن يتم ذلك من خلال اتخاذ قرار استراتيجي يكفل أن تكون جميع وسائل النقل في المملكة تحت مظلة وزارة النقل السعودية، بما فيها تنظيم شركات الطيران الجوي، وهيئة الطيران المدني، إضافة إلى إعطاء الوزارة الصلاحيات الكاملة واللازمة لتنظيم هذا القطاع المهم.
مشكلة عدم توحيد مرجعية قطاع النقل العام في بلادنا وإسناد تنظيمه بالكامل إلى جهة حكومية واحدة، أدى إلى تخلف القطاع، وحدّ من قدرته في التعامل مع النمو المتزايد على خدمات النقل العام بجميع وسائله وأدواته المتعارف عليها على مستوى دول العالم المتقدم، وفق منظومة متكاملة ومتجانسة من خدمات النقل العام التحتية والفوقية. كما أن تركيز خطط التنمية الخمسية المتعاقبة على بناء شبكة طرق تربط مدن المملكة بعضها بعضا، وتربط المملكة بدول الجوار، وببقية دول العالم، دون الموازنة بين احتياجات المملكة لشبكة الطرق وفي الوقت نفسه لوسائل نقل عام حديثة ومتطورة، قد فاقم من حدة المشكلة، وأسهم إلى حد كبير في عدم وجود شبكة نقل عام متكاملة في السعودية، الأمر الذي يؤكده أنه وحتى وقتنا الراهن، لا توجد لدينا على مستوى النقل الجوي، سوى ''الخطوط السعودية''، ولم نتمكن طيلة العقود الماضية، من إيجاد كيانات عملاقة في مجال النقل الجوي مماثلة لـ''الخطوط السعودية''، حيث تسهم بفاعلية في مواجهة الطلب المتنامي عاما عن عام على خدمات النقل الجوي في المملكة، رغم محاولة دخول منافسان جديدان من القطاع الخاص إلى السوق، إلا أنه وللأسف الشديد، لم يكتب لإحداها البقاء طويلا في السوق، ويخشى على الآخر الخروج من السوق في أي وقت بسبب تراكم الخسائر التشغيلية.
مثال آخر على محدودية وسائل النقل العام المتوافرة في السعودية، شبكة الخطوط الحديدية، التي لا تزال حتى وقت قريب جدا تقتصر على المسار الذي يربط ما بين مدينة الدمام في المنطقة الشرقية ومدينة الرياض؛ وذلك لنقل الركاب والبضائع، رغم ارتفاع أعداد الركاب وحجم البضائع المنقولة على هذا الخط.
وبالنسبة للنقل البري والنقل العام داخل المدن، فهذا النوع من النقل، لا يزال حتى وقتنا الراهن، يعاني هو الآخر محدودية وسائل النقل، حيث لا توجد سوى شركة نقل عملاقة واحدة في المملكة، هي الشركة السعودية للنقل الجماعي، التي تقوم بتقديم خدماتها، بواسطة أسطول قوامه ثلاثة آلاف حافلة حديثة، تخدم 382 مدينة وقرية داخل المملكة و30 وجهة دولية.
محدودية وسائل النقل العام في بلادنا ضاعفت من أعداد المركبات الخاصة والتجارية، والتي يقدر عددها بنحو 36.5 مليون مركبة، تمثل المركبات الخاصة منها النسبة العظمي، الأمر الذي تسبب في اكتظاظ الشوارع والطرقات العامة بالمركبات، وحدوث اختناقات مرورية على الطرقات الرئيسة، كما قد تسبب ذلك في ارتفاع عدد حوادث السير على شبكة الطرق إلى نحو 486 ألف حادث في عام 2008، مقارنة بنحو 293.3 ألف حادث في عام 2004، وباتت حوادث المرور من بين أبرز القضايا المقلقة على مستوى التنمية السعودية، ولا سيما أن أعداد الوفيات نتيجة لحوادث الطرق بدأت تأخذ في الارتفاع عامٍ عن عام، حيث قد ارتفع عدد الوفيات من 5168 وفاة في عام 2004، إلى 6458 وفاة في عام 2008، وتجاوزت الخسائر السنوية الناجمة عن حوادث المرور مبلغ 13 مليار ريال سعودي. كما قد أصبحت الكثافة المرورية نتيجة للحركة المرورية المتزايدة، تشكل عبئا بيئيا ثقيلا في جميع مدن المملكة ومحافظاتها، ومصدرا رئيسا للإزعاج.
التعامل مع تدني مستوى وسائل النقل العام ومحدوديتها في المملكة، يتطلب تبني تطبيق سياسية متكاملة لقطاع النقل، تترجم الاحتياجات الراهنة والمستقبلية للقطاع، من منطلق نظرة شاملة لمختلف مكوناته، حيث تركز على تطوير البنية التحتية والفوقية للقطاع، وتعمل في الوقت نفسه على تنويع الأدوات والوسائل، وتطوير وتدريب الكوادر الوطنية لإدارة المرافق الخاصة بالقطاع وتشغيلها وصيانتها.
إن نجاح تطوير قطاع النقل العام في بلادنا، يتطلب أيضا فتح المجال أمام القطاع الخاص للاستثمار في القطاع، إضافة إلى العمل على جذب الاستثمارات الحكومية والخاصة، لتعمل جنبا إلى جنب على تطوير القطاع.
خلاصة القول، إن قطاع النقل العام في بلادنا، ظل يعاني لفترة طويلة من الوقت غياب استراتيجية وطنية فاعلة، تعمل على إيجاد منظومة متكاملة ومتجانسة من وسائل النقل الحديثة، بالشكل الذي يلبي احتياجات النمو المطرد الذي تشهده المملكة في أعداد السكان عاما عن عام، والتوسع العمراني الذي تشهده البلاد في جميع الاتجاهات.
تخلف قطاع النقل العام في المملكة عن اللحاق بالركب، تسبب في انتشار وسائل نقل عام بشكل عشوائي، لا يتواكب مع التطور الحضاري الذي تعيشه المملكة، كما أن تخلف القطاع تسبب في عدم مواكبة القطاع مع النمو في الحركة الاقتصادية التي تشهدها البلاد.
أهمية قطاع النقل العام من الناحية الاقتصادية والتنموية، يتطلب إعطاءه المزيد من الاهتمام وتوحيد مرجعية جميع وسائله، وإسناد إدارته وتنظيمه إلى جهة واحدة بجميع مكوناته، حيث يتم التعامل معه وتطويره بصورة يراعي فيها الشمولية وتحقيق التطور المنشود، الذي يلبي احتياجات التنمية الاقتصادية في البلاد، والنمو المطرد في أعداد السكان عاما عن عام، وبالشكل الذي يخفف من الاختناقات المروية والحوادث المميتة، التي تشهدها الطرقات بشكل يومي وتتسبب في إزهاق الأرواح وفي حدوث خسائر كبيرة تلحق بالمكتسبات والممتلكات.