أهمية استمرارية التربية مع التعليم

بدأنا الحديث في المقالة السابقة عن علاقة التربية بالتعليم، وأشرنا إلى أن كثيرا من الدول عدلت أسماء وزارات التعليم لتكون وزارة التربية والتعليم بدلا من وزارة المعارف أو وزارة شؤون التعليم؛ وذلك إيمانا من تلك الدول والمجتمعات بأهمية التربية، وأنها يجب أن تسبق التعليم، وأن التربية الأساسية هي من المسؤوليات الأولى للوالدين والأسرة بعد ذلك، ثم يأتي دور المدارس (وزارة التربية والتعليم) في المسؤولية التربوية من قبل المعلمين، وخاصة في المرحلة الابتدائية للطالب، ثم تأتي أدوار بقية الجهات المشاركة في النواحي التربوية وما أكثرها. وأشرنا إلى أهمية دور الأم ومسؤوليتها الكبرى في العناية برضيعها وحسن تربيته، وحذرنا الأم من أن تترك رضيعها خلف ظهرها وتدفع به لعاملة المنزل أو المربية، والآن نكمل ما تبقى عن:

تعليم الطفل
يُقصد بالتعليم - نقل المعلومات من المعلم إلى المتعلم الذي ليس له إلا أن يقبل ما يمليه عليه معلمه، وبهذا التعريف الضيق المحدود للتعليم يُعطي الفرصة لتكون التربية أوسع نطاقا وأبعد مدى من التعليم بدون تربية؛ لأن التربية تشمل جميع المؤثرات على الإنسان الجسدية والعقلية والروحية والخلقية والاجتماعية، بينما يظل التعليم ذا نطاق محدود يتمثل في نقل المعلومات من المعلم للمتعلم، والتعليم يقصد به العلم الذي ينتج منه المعرفة، وإذا كنا نسمع القول (المعرفة قوة) فهذا صحيح عموما، ولكن الواقع أن المعرفة لا تصبح قوة إلا إذا خالطتها التربية من قبل المعلم ومن له علاقة تربوية بالطفل، ومن المحزن ما نسمعه عن بعض مدارسنا - أن الطالب لا يهمه سوى أن يقرأ ويحفظ المقررات التي عليه في المنهج الدراسي حتى يستعد لاجتياز الاختبار لينجح، وربما دون أن يفهم أو يستوعب بعض المواد لتقصير من المعلم في متابعة الطالب والاهتمام به وبقية ما تتطلبه العملية التربوية، وفي الوقت نفسه يكتفي المعلم بحشو المادة الدراسية في أدمغة الطلاب بأسرع ما يمكن وكأنه يتخلص من المسؤولية التي على عاتقه بإنهاء المقررات قبل موعد الاختبارات دون أن يُلقي بالا لمدى استيعاب الطلاب وفهمهم وهضمهم لهذه المقررات والمناهج الدراسية، ولا يحاول في كثير من الأحيان أن يجتمع بالطلبة، وخاصة ذوي المعدلات المنخفضة ليراجع معهم ما لم يفهموه من المنهج، ومن المهم جدا أن تكون علاقة المعلم وسلوكه مع الطلاب مبنية على المحبة والتعاون وأن يُكرم الطلاب المعلمين بتقديرهم واحترامهم والتقيد بتعليماتهم، بينما على المعلم أن يرأف بالطلاب وأن يكون رحيما بهم وأن يتعاون مع الضعفاء منهم وأن يكون بشوشا ولين الجانب دون ضعف، وأن يكون حازما متى دعا الأمر، ولعل - معرفة أسماء الطلاب وأحوالهم الاجتماعية والسؤال عن المتأخر أو الغائب منهم والتفاعل معهم - لعل كل ذلك يذيب الكثير من الجليد بين المعلم والطلاب فتنشأ العلاقة بينهم قوية ومبنية على الاحترام والتقدير.
وعلى المعلم أن يكون قدوة حسنة لطلابه في أقواله وأفعاله وملبسه وعلمه؛ لذا فإن عملية التربية عملية مستمرة وليست مرتبطة فقط بالمرحلة الابتدائية والمتوسطة، بل هي عملية مستمرة في جميع مراحل الدراسة الثانوية وحتى الجامعة، فمادام أن هنالك تعليما فلا بد أن يكون هنالك تربية حتى تنعكس التربية الحسنة على نفسيات وعقول الطلاب فيصبحوا أكثر فهما للعلوم وأكثر دماثة في الخلق مع جميع من يختلطون بهم، ويجب ألا يفوت علينا أن نذكر أن التربية بمفهومها الشامل هي كل أنواع الأنشطة التي تؤثر على الطفل وتسهم في تكوين شخصيته، ولا يجوز كما قلنا أن نحصر التربية فقط في الجهود المخلصة التي نبذلها لتربية النشء جسديا وعقليا ونفسيا فالتربية أشمل من ذلك بكثير؛ فهي تشمل كل تغيير في تصرفاتنا وميولنا الفطرية، وكذلك سلوكنا وأخلاقنا بجانب التأثيرات غير المباشرة للقوانين والتشريعات وأنظمة الحكم وأسلوب المعيشة وتقاليد المجتمعات، أضف إلى ذلك البيئة المادية والطبيعية (الجو والتربة والموقع الجغرافي)، وفي الحلقة (197) نكمل ما تبقى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي