المسابقات المعمارية.. لماذا اختفت؟
تعرف مسابقة التصميم المعماريةArchitectural design competition بأنها نوع معين من المنافسة التي تختص بالعمارة أو تخطيط المدن، وتكون على نحو دولي أو محلي، وتنظم من قبل القطاع العام أو الخاص بالتعاون من الجهات المهنية المتخصصة لمشاريع معمارية مهمة، وعادة ما تكون إما مفتوحة وإما بدعوات خاصة، كما أن المسابقات المعمارية طريقة سريعة لإنتاج مفاهيم بديلة متعددة لتكون أساسا لصنع القرار وأداة ممتازة لضمان جودة البناء وإيجاد حلول جديدة.
وتهدف المسابقات المعمارية في الغالب إلى أن يكون المشروع معلما معماريا بارزا سواء كان لتصميم مبنى أو تخطيط مدينة أو مجاورة سكنية أو غير ذلك من مشروعات عمرانية، ومن خلال البحث عن أنماط جديدة تجعل من الممكن ضمان جودة المشروع، كما تهدف تلك المسابقات إلى تفتق بدائل مختلفة في وقت قصير، وأن تتنوع الحلول للوصول إلى حل ممكن يعتمد انخفاض التكلفة والأداء الوظيفي على حد سواء، وبما يحقق للمشروع التكيف المناسب للجوانب البيئية والاقتصادية مع عرض البدائل المختلفة.
والمسابقات أيضا تهدف إلى اكتشاف المواهب المعمارية الصاعدة والاهتمام بها وإبرازها، خصوصا المحلية منها، وأن تكون هذه المسابقات فرصة لبروز عدد من المواهب الإبداعية بما يعمل فيها من تصاميم إبداعية تستعرضها تلك المسابقات، وتصبح تاريخ هذه المسابقات إضافة ثرية للمعماري الفائز والمشارك مع ما تضيفه للمشروع من قيمة وإبداع إذا ما تم تنفيذه.
ونحن اليوم نعيش طفرة عمرانية هائلة في كل مناحي العمران في عهد خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - في جميع أرجاء الوطن، كان من الممكن أن ترافقها وبشكل متناغم المسابقات المعمارية لهذه المشروعات العمرانية المهمة والكبيرة لما ذكر من أهداف ولترتقي بالمشروع وتضمن لنا اختيار البدائل المناسبة من قبل محكمين متخصصين بدل أن تختفي تلك المسابقات.
ونسمع في بعض الأحيان في بداية أعمال بعض الجهات عن عمل مسابقة لتصميم شعار للجهة العامة أو الخاصة، وتقف تلك المسابقات عند هذا الحد ولا تمتد إلى المشروعات المهمة والعمرانية لتلك الجهة.
إن المباني العامة التي تؤثر في العمران بشكل أساس تجعل من المفيد جدا لجميع الأطراف أن يتبنوا ذلك الاتجاه في جعل تلك المشروعات تصمم من خلال المسابقات المعمارية، ذلك أنها ترتبط بعد إنشائها بشرائح المجتمع كافة كالمباني العامة من جامعات ومستشفيات ومشاريع إسكان وغيرها، وتؤثر في العمران الذي يتأمله كل مستخدم لهذا العمران.
لقد حصدت الرياض جوائز عمرانية في السابق نتيجة جهد مبذول في تحقيق أفضل البدائل، والذي كان للهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض الدور البارز في تنظيم تلك المسابقات وجعل المشروعات معلما عمرانيا نتج عنها أن تلك المشروعات فاز معظمها بجوائز عالمية وهي لا تزال تلمع في أفق الرياض بما تحمله من بصمات المعماريين العالميين والمحليين الذين فازوا بتصميم ذلك المشروع.
إن الرياض وغيرها من المدن تستحق أن يبذل لها الجهد ليس في الإسراع في ترسية المشروع فقط، بل أيضا الإسراع في جعل ذلك المشروع جوهرة تضيء في سماء تلك المدينة، وهذا في ظني يتحقق دون شك بالمسابقات المعمارية المحكمة، خصوصا إذا ما كان المشروع يؤثر في عمران المدينة وسيصبح معلما من معالمها الجميلة.
ويمكن للجهات العامة والخاصة أن تستعين بالجمعية السعودية لعلوم العمران وهي التي تمثل الاتحاد الدولي للمعماريين UIA بما لديهم من خبرات في تنظيم تلك المسابقات وترتيبها لتبني ذلك الأسلوب في مشروعاتها الحيوية والاستعانة بالخبراء المتخصصين في أي مجال عمراني.
ولعلي أذكر في هذا الصدد نقطتين مهمتين في تبني هذه المسابقات للمشرعات المهمة والأساسية للجهات. ضمان أن تلك الفكرة هي الأمثل بعد تحكيم يتم من خبراء في ذلك المجال بما ينفي عن المشروع صفة الفردية سواء من المالك أو المصمم، حيث إن الحل المعماري يتم من خلال عدد متنوع من الحلول والأفكار الخلاقة لمشروع واحد بدل أن يكون الحل من مكتب واحد ومن مصمم واحد.
إن تلك المشروعات في عرض الزمن لا تتكرر بشكل كبير إلا في سنوات متباعدة، خصوصا ما يكون فريدا في نوعه وتكلفته ويمكن أن يكون رمزا عمرانيا بطول الزمن ويكون أيقونة للمكان وأعجوبة فريدة في كل زمان.
إن العمران الذي نعيشه اليوم يتطلب أن نلتفت إلى الجوانب الفنية والبيئية والاقتصادية التي تتكامل إذا ما استحثت الأفكار بطلبها في شكل مسابقة محلية أو عالمية لمبنى يخلد هذه النهضة التي تعيشها المملكة ويبقى رمزا لعمراننا الجميل أبد الدهر.