Author

اصنع تعليمك بنفسك!

|
نلتحق بالدراسة الجامعية لتقدم لنا ثلاث خدمات رئيسة أولاها المحتوى بما فيه من معلومات ومهارات ثم الحياة الاجتماعية والتواصل مع الآخرين وثالثتها الإعداد للقبول في الحياة العملية لاحقاً. وقد يكون لدى البعض منّا هدف آخر من الالتحاق بالدراسة الجامعية؛ ألا وهو الحصول على ورقة العبور الأخيرة التي تتمثل في الدرجة العلمية دون النظر للكفاءة أو الإنجازات العلمية المتحققة بعد الجهود المصروفة للوصول إليها! هكذا وشيئا فشيئاً يفقد التعليم بريقه وأصالته ومهمته الأساسية، ولا يستغرب المتعلمون والأكاديميون إذاً إذا تراجعت جودة التعليم خلال السنوات المقبلة ما دامت الأهداف عرضة للتغيير. لفت انتباهي لهذا الموضوع كتاب وضعته الأمريكية آنيا كامينتيز "Anya Kamenetz" بعنوان "DIY U: Edupunks, Edupreneurs, and the Coming Transformation of Higher Education” الذي يناقش التغييرات المستقبلية لتحسين أداء المتعلمين الذاتيين وطلاب الجامعات. ما دفعها لوضع هذا الكتاب هو القلق المستمر في دولة مثل الولايات المتحدة بعد تراجع مرتبة أشهر مؤسساتها التعليمية في التصنيف العالمي بعد أن كانت تحتكر الصدارة. هذا التراجع يرتبط بعوامل عدّة من بينها ارتفاع تكلفة التعليم العالي الذي وخلال الثلاثين عاماً الماضية ارتفع بمعدل ١٠٠٠ في المائة أي أعلى ارتفاع لأيّ سلعة محليّة، ولم تعد تجدي القروض والمعونات وحتى الأعمال الإضافية التي يقوم بها الطلاب لتغطية المصروفات التعليمية. تبعا لذلك لم يعد ممكناً في حالات كثيرة الاستمرار في استثمار الحياة هذا بسبب صعوبة الأوضاع الاقتصادية ككل، وصعوبة المتابعة في الجامعة ومتطلباتها. والحلّ المطروح في صفحات الكتاب وتؤكده آنيا توفير التعلم المفتوح "Open Learning" ومفتوح لأنه متاح للجميع، في كلّ وقت، وفي أي مكان وبلا وسائط وتكاليف مرتفعة بعيداً عن الحصرية والاحتكار. يبدأ الكتاب في فصله الأول بعرض تاريخي لـ "كيف وصلنا إلى هنا؟" تشرح فيه الكاتبة الخلفية الاجتماعية والأسباب التي أدّت إلى التفاوت في الخدمات التعليمية المطروحة للطلاب على اختلاف خلفياتهم الثقافية والعرقية، ثم تتطرق للتداعيات الاقتصادية التي تفاقمت لتصنع مشكلة تعليمية. وبعد ذلك تنتقل للتساؤل "كيف نصل إلى هناك؟" موضحة رؤيتها والتصور الذي سيكون عليه التعلم اللامحدود، لتبدأ بالحديث عن علوم الحاسب الآلي والتقنيات الحديثة التي ستوفر الأساس الأمثل للتعليم المتنقل والمتاح. بدءا من البرامج والمحتوى المفتوح المصدر ثم البيئات والفصول الافتراضية مرورا بالهواتف الذكية والشبكات الاجتماعية مثل Facebook ،Twitter. والتقنيات الحديثة هذه ستمنح المتعلمين سواء كانوا سبق والتحقوا بالدراسة الجامعية أم بالحياة العملية مباشرة من التواصل مع أقرانهم وتبادل الأفكار والمهارات والمواد المعرفية بلا حواجز وفي وقت قياسي مع إمكانية الوصول لمحتوى معرفي مجاني هائل! كما تشجع كامينتيز على إجراء الدراسات المستقلة وعقد برامج تدريبية متنوعة، وهي في ذلك تستند إلى تجربتها الشخصية. إذ بدأت حياتها العملية خلال دراستها الثانوية كمتدربة صحفية في عدة جهات؛ تعلمت من خلال هذا التدريب مهارات الكتابة والتحقيق الصحفي التي أهلتها لاحقاً لتأليف كتب حققت مبيعات جيدة وقبولاً لدى القرّاء. ويختتم الكتاب بجزء منوّع يشتمل على دليل للتعليم الذاتي، مزود بخطوات عملية وروابط لمواقع إلكترونية وأمثلة حيّة حول كيفية البدء بتنظيم خطط دراسية لتعلم أي شيء وكلّ شيء دون الحاجة إلى الالتحاق بجهة تعليمية! ما تحاول آنيا تحقيقه ليس إلغاء الجامعات الموجودة أو التعليم العالي بشكله الذي نعرفه اليوم، بل هو بمثابة نداء حقيقي لإعادة التأهيل وتشجيع المتعلمين الذين يجدون صعوبة في مواصلة هذا الطريق. كما تقترح في بعض المقابلات التي أجرتها والمحاضرات التي ألقتها في شرح كتابها وأفكارها بأن تضع المؤسسات التي تستقبل الخريجين كلّ عام نظاماً جديداً للمفاضلة بين المتقدمين للوظائف، هذا النظام لا يكتفي بأخذ الدرجة العلمية أو التقدير بعين الاعتبار بل يطالب المتقدمين بعرض مهاراتهم وخبراتهم لتمنح المتميزين الذين لم يتمكنوا من إنهاء الدراسة الجامعية فرصة الحصول على وظيفة بناء على التعليم الذاتي والخبرة. قد تتساءلون وما شأننا نحنُ في التعليم العالي الأمريكي وكتبٌ تؤلف بخصوص إعادة تأهيله؟ وسأجيب: إن معاناة مؤسسات تعليمية تتصدر المراتب العليا من التصنيف العالمي مؤشر مهمّ وتحذير لنظامنا التعليمي كذلك.
إنشرها