بين تحرير طرابلس والعنف في سورية

استبشرت بما حصل أخيراً في سقوط النظام الليبي وما يتبع ذلك - إن شاء الله - من إعادة الحياة السياسية لمسارها الصحيح وكذلك الحياة الاقتصادية والاجتماعية. إن الظلم مرتعه وخيم ومهما طال به صاحبه فإن له نهاية، وقد تكون النهاية مؤلمة جداً لا يتحملها الظالم فيؤول إلى الانتحار.
إن ليبيا تتطلب إدارة الأزمة الحالية عبر المجلس الانتقالي بالحكمة والشمولية في إدارة المرحلة وتأسيس دولة القانون وكسر جماح الانتقام والتشفي حتى يبقى للثورة بريقها وشعبيتها. وما يحصل في سورية طوال الأشهر الماضية، وما حصل فيها من تضحيات وسقوط أكثر من ألفي مدني إلى جانب نحو 400 جندي من الجيش والأمن، واعتقال عشرات الألوف من الرجال والنساء والأطفال. كل هذا يحتم علينا قراءة مآلات الحدث ومصير النظام الأسدي الذي يحكم البلاد منذ أكثر من 40 سنة. ومع كل ما حصل في البلاد العربية لم يتغير تعاطي النظام السوري مع تعاظم الثورة،
فلا يزال الموقف لم يتغير كثيراً حتى بعد اندلاع الاحتجاجات التي واجهها النظام العائلي الأسدي بالقمع الوحشي، إذ أعاد الرئيس موقفه المطمئن والمستهتر في حديثه لصحيفة ''الوطن'' السورية قبل أيام من ''جمعة الحرية'' وقال إن الأزمة أوشكت على الانتهاء بعد الحملة الأمنية الشاملة التي تقوم بها قواته على أكمل وجه.
علماً بأن هتافات المحتجين لم تكن تتعرض في البداية لإسقاط النظام لعدم جراءة السوريين على هذا الخطاب الأشبه بالتجديف في حق المقدسات، لكن الاستهتار بدماء الشهداء وبمطالب الشعب المشروعة وتجاهل الإعلام الرسمي لآلاف المحتجين في الشوارع وكأنه لا وجود لهم، ثم تشويه خطابهم وانتماءاتهم لتصبح الثورة مجرد
أعمال تخريبية يقوم بها إرهابيون؛ كل هذا دفع الناس إلى كسر حاجز الخوف والتصعيد في الخطاب وردود الفعل في آن معاً.
بناء على ذلك؛ لم يعد سيناريو الإصلاح والحوار مجدياً في نظر الكثيرين، حتى لدى أولئك الذين بذلوا جهوداً مضنية لإمساك العصا من المنتصف في ظل تساقط الضحايا اليومي في شوارع المحافظات السورية كلها.
هذه المؤشرات تدفع المراقبين للاعتقاد بأن النظام السوري عاجز عن فهم المعادلة الدولية وإدراك حقيقة أن الانتفاضة التي تجري اليوم هي جزء من حركة الربيع العربي كله ولا تتحرك في فراغ، وأنها تؤثر وتتأثر بالمجتمع الدولي ومصالح القوى الكبرى والشركات متعددة الجنسيات ووسائل الإعلام العابرة للحدود عبر الفضائيات والإنترنت.
مما يعني صعوبة قمعها بأساليب الأخوين حافظ ورفعت الأسد الوحشية في الثمانينيات، أو حتى على طريقة محافظي إيران إبان انتفاضة الإصلاحيين الخضراء قبل أن يستيقظ المحيط العربي في مطلع هذا العام، حيث يثبت تصعيد العنف اليومي تصعيداً مقابلاً من طرف الثوار في الاستماتة والتمرد بدلاً من الخوف، وربما في حمل السلاح قريباً للدفاع عن النفس من عصابات الموت التي تستبيح الدماء والأعراض وحرمة البيوت والمساجد.
وفي ظل المستجدات يبدو أن المآلات المتوقعة ستدور فقط حول نهاية النظام، مع استبعاد أي أمل في بقائه، وقد ينحصر الأمر بين الاحتمالين التاليين:
1- استمرار النظام في التصعيد الوحشي الذي دخل مرحلة جديدة في شهر رمضان المبارك، واضطر الثوار إلى حمل السلاح للدخول في صراع قبلي طائفي وهو خيار حذر منه روبورت فيسك مبكراً في صحيفة ذي إندبندنت بعد نحو شهر فقط من اندلاع الاحتجاجات، فيما يتناقل البعض أخبارا غير معلنة عن اضطرار الأهالي بالفعل في درعا وحمص وحماه إلى حمل السلاح وقتل العشرات من عناصر الأمن والشبيحة.
وفي هذه الحالة قد يطول أمد الثورة والقتل العشوائي في حرب أهلية، مما يدفع المجتمع الدولي للتدخل كما فعل في ليبيا على الرغم من عدم رغبة الغرب في ذلك، وربما تلعب تركيا دوراً في التحالف العسكري بعد نفاد المهلة الجديدة التي أعلنها أردوغان عقب محادثات وزير خارجيته أحمد داود أوغلو مع الأسد في التاسع من الشهر الجاري، حيث تؤكد الأنباء عودة الدبابات إلى محاصرة حماه بعد مغادرة أوغلو البلاد مما خيب أمل أوغلو الذي كان قد سارع إلى التفاؤل بخروجها من حماه واعتبارها بداية لانفراج الأزمة.
وعلى أي حال؛ قد لا يعني هذا الخيار - إن تم فعلاً - سقوط النظام بسهولة، وخصوصا أن النظام السوري تعمد منذ عهد حافظ الأسد إقامة ثكنات عسكرية ومستعمرات لأتباع طائفته في شتى أنحاء البلاد، وهي تلعب اليوم دوراً رئيساً في السيطرة على الأحياء والبلدات المجاورة.
2- انشقاق الجيش وتصدع النظام من الداخل على الطريقتين التونسية والمصرية وهذا لا شك أنه أقل خسائر وتكلفة وأفضل في الحياة المدنية، لكن هذا الخيار قد يبدو بعيداً خلال الفترة القادمة.
فالأسد الأب عمد إلى تشكيل قواته على طريقة الاحتلال الفرنسي في سورية، حيث استقطبت سلطة الانتداب أبناء المناطق الفقيرة والأقليات الدينية - وعلى رأسها الطائفة العلوية - ومنحتهم امتيازات استثنائية لتشكيل ما سمي بالقوات الخاصة للشرق الأدنى، والتي أصبحت الذراع الأمني المحلي لحماية النظام وقمع الثورات والمظاهرات الوطنية.
يا أهل سورية صبراً فمهما طال الأمر فإن الصبح آت، ولعل في زيادة العنف سببا لكره العرب لهذا النظام وافتقاده أبجديات مقومات الحياة السياسية مما يعجل بنهايته ومع اشتداد الظلام يكون الصباح.
أسأل الله لي ولكم القبول، وأن يصلح أحوال إخواننا المظلومين في كل مكان إنه سميع قريب مجيب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي