كذبة المقاومة والممانعة

جاءني ابني الصغير مبتهجاً ليزف بشرى خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز التاريخي والمتزن بخصوص المعركة الحقيقية الثانية التي دخلها الجيش السوري في تاريخه، حيث شاهدنا تلك الدبابات السورية تطلق القذائف النارية على المواطنين العزل في بيوتهم.
فهل تعلم يا بني أن مصر حسب مذكرات الفريق محمد فوزي، دخلت حرب حزيران 1967 دفاعاً عن سورية ضد ما قيل إنه حشود إسرائيلية تقدر بـ 11 لواءً ضد سورية؟! لكن بعد أن وضعت الحرب أوزارها ذهب الفريق في رحلة إلى الجبهة السورية، فلم يشاهد أياً من تلك الحشود. كما أحيطك علماً يا بني، وكما ذكر الكاتب محمد حسنين هيكل في كتابه "الانفجار عام 1967" أنه في يوم 28 نيسان (أبريل) 1967 تلقى الفريق عبد المنعم رياض رئيس هيئة أركان حرب القيادة العربية الموحدة رسالة من الملك الأردني الراحل الملك حسين تستدعيه لمقابلة خاصة مع الملك في أسرع وقت ممكن، وكان فحوى الرسالة أن لدى العاهل الأردني ما يدعو إلى اليقين بأن هناك "فخاً" يدبر للجمهورية العربية المتحدة (مصر حالياً) وللرئيس جمال عبد الناصر، فهناك محاولة توريطهم في حرب مسلحة لا تلائمهم ظروفها، وأن الجماعة في سورية مخترقون وبعضهم "متواطئ" مع جهات لديها خططها. الفكرة الأساسية في هذه الخطط كانت إشعال الموقف على الجبهة السورية بما يفرض على مصر أن تقوم بأي عمل لنجدة سورية، وهنا تصبح مصر الهدف الأول للمؤامرة ويجري ضربها، لكن لم تصل الرسالة إلى الرئيس عبد الناصر إلا بعد أسبوعين!.
قد تسألني يا بني عن سقوط الجولان، فهي والله لم تسقط قط، إنما بيعت، بل لم تحدث فيها أي مقاومة! فقد أعلن الراديو السوري يوم (10 حزيران 1967) بيانات عدة الواحد تلو الآخر حول المقاومة الباسلة للجيش السوري ضد القوات الإسرائيلية الغازية، لكن أجمع كل من كان في الجولان، كما أن هناك ست شهادات مختلفة، إحداها من الاستخبارات الإسرائيلية، أنه لم تكن هناك أي مواجهة بين القوات الإسرائيلية والسورية، فالشهادة اﻷولى لضابط المخابرات السوري في الجولان أثناء 1967 الرائد خليل مصطفى الذي ألف كتابه "سقوط الجولان" وسجن بسبب ذلك الكتاب عام 1975 لمدة 30 سنة، كشف فيه حقيقة تسليم حافظ أسد الجولان لإسرائيل ساحباً كوزير للدفاع قطاعاته العسكرية من أرض المعركة، معلناً سقوط القنيطرة قبل سقوطها فعلاً.
أيد ذلك القول وزير الصحة السوري عبد الرحمن الأكتع، الذي ذهب في جولة ميدانية جنوب القنيطرة (عاصمة الجولان)، يقول: سمعت نبأ سقوط القنيطرة يذاع من الراديو، وعرفت أنه غير صحيح لأننا جنوب القنيطرة لم نر جيش العدو، فاتصلت هاتفياً بحافظ الأسد وزير الدفاع وقلت له: المعلومات التي وصلتكم غير دقيقة، نحن جنوب القنيطرة ولم نر جيش العدو! فشتمني بأقذع الألفاظ ومما قاله لي: لا تتدخل في عمل غيرك يا (...)، وهناك شهادة أخرى مماثلة لوزير الإعلام السوري سامي الجندي في كتابه "كسرة خبز".
أما القول الفصل يا بني في بيع الجولان، فهو ما ذكره وزير الخارجية المصري إسماعيل فهمي في كتابه "التفاوض من أجل السلام في الشرق اﻷوسط" - صفحة 134 عن شهادة الملك فيصل في تلك الصفقة، حيث ذكر الملك فيصل آل سعود في القمة الرباعية في الجزائر في 13 شباط (فبراير) 1974 التي حضرها الرئيس السادات والملك فيصل، والرئيس حافظ اﻷسد والرئيس هواري بومدين ووزراء خارجية الدول اﻷربع:
سأل الملك فيصل - رحمه الله - اﻷسد صراحة بصوت عال تماماً، عما إذا كان السوريون قد قبلوا وقف إطلاق النار على مرتفعات الجولان في عام 1967 في وقت سابق ﻷوانه، حيث تركوا القنيطرة تسقط في أيدي اﻹسرائيليين دون إطلاق طلقة واحدة. وقال أيضاً (إسماعيل فهمي): إن القائد السوري في القنيطرة تلقى ما يوازي 30 مليون دولار.
هذه يا بني حقيقة الجيش الذي يدعي المقاومة والممانعة وحقيقة النظام والرئيس المقاوم: تاريخ من الخيانات التي انتهت بقتل المواطنين في الشارع وهدم المساجد، وحفظ أمن إسرائيل لمدة 40 سنة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي