أوقفوا هذا المسلسل في رمضان

الحياة أصبحت أشبه ما تكون مزدحمة بالمسلسلات فأحياناً يجد الإنسان نفسه أمام مسلسل واقعي يتأمل أحداثه، وأحياناً يجد الإنسان نفسه جزءًا من هذا المسلسل يشارك في أحداثه بل قد يكون دوره أحد أدوار البطولة، وفي هذا الشهر الكريم تكثر الإعلانات عن المسلسلات التي تعرض والتي يتم الإعداد لها والتنسيق لإنتاجها منذ فترة طويلة، فالإعلان عن المسلسل يتم بعد أن تتم كتابة الفكرة وإعداد النص واختيار الأبطال وتكوين فريق العمل من المخرج والسيناريو والمنتج ثم التصوير وغيرها من الخطوات الأخرى، ولكن الغريب أن بعد كل هذا العمل يتم الإعلان عن وجود خلاف بشأن عرض هذا المسلسل أو ذاك، وقد تكرر هذا الأمر على مدار السنوات الماضية، فما إن يقترب شهر رمضان إلا ويتم الإعلان عن وجود خلاف كبير بين بعض الجهات حول بث مسلسل ما والمطالبة بإيقافه، والسؤال الذي كثيراً ما يطرح نفسه لماذا لا يتم حسم هذا الخلاف في البدايات عند وضع الفكرة وقبل التصوير والإخراج وغيرها من الخطوات التنفيذية الأخرى، بدلاً من إثارة الخلاف بعد الانتهاء من التصوير والاستعداد للبث وإثارة الإشاعات حول الموافقة والرفض وما يتبع ذلك من خلافات لا حدود لها.
إن إثارة الخلافات على بعض المسلسلات الرمضانية قبل رمضان أصبح في حد ذاته مسلسلاً ينتظره البعض إضافة إلى ما يعرض من مسلسلات أخرى، غير أن حياتنا اليومية ـــ كما ذكرت ــــ فيها مسلسلات متنوعة هي الأخرى منها المفرح ومنها المحزن وهناك مسلسلات قصيرة وأخرى مأساوية طويلة تبدأ منذ ولادة الإنسان وتستمر حتى بعد وفاته، ومع ذلك لا نجد من يتصدى لها ويقوم بإيقافها، خصوصاً في رمضان، فهناك مسلسل التسويف والتأجيل للكثير من المشاريع التنموية، وهناك مسلسل الفساد، وهناك مسلسل البطالة ومسلسل الفقر، ومسلسلات أخرى كثيرة نتمنى أن تتوقف في هذا الشهر المبارك أو على أقل تقدير يتم العثور على حل جذري لها.
غير أن المسلسل الأهم والذي فرض نفسه على الساحة هذه الأيام ونتمنى أن يتوقف فوراً في هذا الشهر المبارك هو مسلسل العنف والقتل الذي يشتد مع دخول هذا الشهر الكريم في المدن السورية، فقد زادت حدة القتل في الأيام الأخيرة، ومع دخول الشهر المبارك حتى تجاوز عدد القتلى في اليوم الواحد أكثر من 120 قتيلاً وأصبحت الآليات الحربية والطائرات والدبابات تدهم المدن وتقصفها وكأنهم في حرب ضد عدو غاشم يريد أن يحتل البلاد متناسين أن أولئك ليسوا سوى مواطنين يطالبون بالحرية والعدالة وينادون بمطالبهم بطريقة سليمة غير أنهم يواجهون بالرصاص الحي الذي يحصد في كل يوم العشرات منهم.
إنه مسلسل مؤلم، وألمه ألم حقيقي وليس تمثيليا، مسلسل ليس حصريا على قناة بعينها وليس مشفراً فلا يستطيع أن يراه إلا من يمتلك كرت فتح تلك الشفرات، بل هو مسلسل يبث على جميع القنوات ويشاهده الجميع ويظهر في كل الوسائل الإعلامية غير أنه أشبه ما يكون بمسلسل صامت لا يكسر ذلك الصمت إلا أصوات الرصاص وصراخ المفجوعين والمكلومين وأنات المرضى والمسحوقين، وتبقى ردود الفعل للجمهور متفاوتة فمنهم من يتفاعل معه ومنهم من يتجاهله ويلتزم بالصمت، هو مسلسل من الواضح أنه يختلف عن باقي المسلسلات الربيعية الأخرى المجاورة سواء في اليمن أو في ليبيا أو غيرها من الدول، فردود الأفعال تجاهه تقدم على استحياء وبطريقة مخجلة والتصريحات المعلنة تغشاها نبرة الود والتهديد الناعم، ومجلس الأمن ورؤساء الدول العظمى ما زالوا يراقبون ويتابعون يوماً بعد يوم ارتفاع عدد الضحايا مما سمح بالمزيد من القتل والتشريد والإرهاب.
أتمنى وبمناسبة دخول هذا الشهر الكريم أن يمن الله على أهل سورية بالأمن والأمان وأن يحفظهم من كل مكروه وأن يفرج عنهم في هذا الشهر الكريم ما هم فيه وأن يتقبل شهداءهم ويشفي جرحاهم وأن يفرج على جميع المبتلين في اليمن وليبيا وبلدان المسلمين كافة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي