العودة إلى الحكومة الكبيرة في «الدين الأمريكي»

إن كبار أعضاء الكونجرس الأمريكي مصممون على المواجهة مع إدارة أوباما فيما يتعلق بسقف ديون الحكومة الفيدرالية، وعادة يتوقع المرء في هذه المرحلة من المفاوضات أن يتراجع أعضاء الكونجرس من الجمهوريين، لكن هناك أقلية متشددة تعتقد أن التقصير في سداد الدين الحكومي ليس بالأمر السيئ.
إن هؤلاء النواب، الذين تواصلت معهم في ثلاث جلسات في الكونجرس أخيرا، مقتنعون بأن الحكومة الفيدرالية الأمريكية أصبحت كبيرة جدا مقارنة بالاقتصاد، وأنه يجب أن تكون هناك إجراءات دراماتيكية من أجل الإبقاء عليها تحت السيطرة. طبقا لتقييمك المتعلق بقوة ''جناح حفل الشاي '' في الكونجرس الأمريكي، فعلى أقل تقدير فإن التقصير الجزئي في السداد لا يبدو مستبعدا كما كان في الماضي، علما أن التحذيرات الأخيرة من وكالات التصنيف تعكس هذه الزيادة في المخاطرة.
إن عواقب أي تقصير سيؤدي في واقع الأمر إلى زيادة في حجم الحكومة مقارنة بالاقتصاد الأمريكي، وهي النتيجة التي يدعي أولئك العنيدون من الحزب الجمهوري أنهم يحاولون تجنبها.
إن السبب بسيط، أن أي تقصير في السداد من قبل الحكومة سيدمر نظام الائتمان المعروف لدينا. إن المؤشر الأساسي لأسعار الفائدة في الأسواق المالية الحديثة هو ما يطلق عليه الأسعار ''معدومة المخاطر'' على السندات الحكومية. إن التخلص من هذه الدعامة للنظام، أو خلق درجة عالية من المخاطرة فيما يتعلق بالتزامات الدين للحكومة الأمريكية، سيضر بالعديد من العقود الخاصة وجميع أنواع المعاملات المالية.
إن العديد من الناس والشركات يحتفظون بأموالهم التي يدخرونها للأوقات العصيبة على شكل أوراق ماليه حكومية أمريكية . إن أكثر الأموال أمانا في أسواق المال على سبيل المثال هي فقط تلك الأموال المتعلقة بالدين الحكومي الأمريكية، لكن لو قامت الحكومة الأمريكية بالتقصير في السداد فإن هؤلاء لن يتمكنوا من المحافظة على القيمة الأصلية للنقود الموجودة في حوزتهم.
إن النتيجة هي هروب رؤوس الأموال .. لكن إلى أين؟ فالعديد من المصارف ستعاني من المشكلة نفسها، إن أي انهيار في أسعار الأوراق المالية الحكومية الأمريكية (نظير أسعار الفائدة الأعلى، حيث إن أسعار السندات وأسعار الفائدة تتحرك باتجاهين معاكسين) سيدمر ميزانياتها.
لا توجد شركة في الولايات المتحدة لن تتأثر بأي تقصير عن السداد من قبل الحكومة، ولن يوجد مصرف أو غيره من المؤسسات المالية يمكن أن يوفر ملاذا آمنا للمدخرات، وسيكون هناك تسابق محموم من أجل الحصول على المبالغ المدفوعة نقدا بشكل لم يسبق له مثيل منذ الركود العظيم مع وجود صفوف طويلة من البشر عند الصراف الآلي وعند الصرافين في المصارف يسحبون أكبر قدر ممكن من الأموال.
سيختفي الائتمان الخاص من النظام الاقتصادي الأمريكي، ما سيجعل ''الاحتياطي الفيدرالي'' يواجه خيارا صعبا. إما أنه سيتدخل ويوفر مبلغا ضخما من الائتمان بشكل مباشر إلى المنازل والشركات (مثل جوسبانك، البنك المركزي في الاتحاد السوفياتي) وإما أن بإمكانه عدم التدخل بينما يهبط الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 20 إلى 30 في المائة، وهو حجم الهبوط الذي شاهدناه في الاقتصادات الحديثة عندما تجف منابع الائتمان بشكل مفاجئ.
إن كون القطاع الخاص في حالة هبوط حر يعني أن الاستهلاك والاستثمار سيهبطان بشكل حاد، إضافة إلى تقويض قدرة أمريكا على التصدير، لأن من المرجح أن تتأثر الأسواق الأجنبية، وعلى أية حال لو لم تتمكن شركات التصدير من الحصول على الائتمان فإنه في أغلب الظن لن تتمكن من الإنتاج.
إن الجمهوريين محقون في شيء واحد وهو أن التقصير في السداد سيؤدي إلى انكماش الإنفاق الحكومي بالقيمة الحقيقية، لكن ما الذي سيتراجع أكثر الإنفاق الحكومي أم حجم القطاع الخاص؟ إن من شبه المؤكد أن يكون الجواب هو القطاع الخاص إذا أخذنا في الاعتبار الاعتماد على الائتمان من أجل شراء مدخلات الإنتاج، أي أنه يتعين علينا أن ننظر إلى الانكماش الذي حصل لاحقا لشبه الانهيار الذي حصل للنظام المالي في سنة 2008 ونقوم بمضاعفته بمقدار عشر مرات.
أما بالنسبة للحكومة فهي تتمتع بحرية الوصول إلى الاحتياطي الفيدرالي وعليه فإن بامكانها وضع أيديها على مبالغ نقدية لدفع الأجور، ومع عدم حصول تغيير في سقف الدين فإن هذا سيتطلب حيلة قانونية ما لكن البديل سيكون وبكل وضوح انهيار الأمن الوطني الأمريكي - يجب أن يتم دفع أجور الجنود وحرس الحدود ويجب أن يعمل نظام المواصلات .. وهكذا.
إن من شبه المؤكد أن إصدار الأموال في مثل تلك الظروف سينطوي على التضخم، لكن يمكن أن يتوصل ''الاحتياطي الفيدرالي'' إلى استنتاج مختلف لأن الولايات المتحدة لم تكن في مثل هذا الوضع من قبل وسيكون الائتمان في حالة انهيار والإجراءات اليائسة لتوسيع الائتمان المطبقة في سنة 2008 أثبتت أنها ليست بالسوء الذي كان يخشاه المنتقدون.
إذن ما ذكرناه أعلاه يشرح ماهية تقصير الولايات المتحدة عن سداد ديونها: سينهار القطاع الخاص وستتجاوز البطالة سريعا نسبة 20 في المائة، بينما ستنكمش الحكومة، لكنها ستبقى الملاذ الأخير في توفير الوظائف.
إن الجمهوريين في الكونجرس ومجلس الشيوخ، الذين لا يرغبون في رفع سقف الدين يلعبون بالنار، فهم يدعمون سياسة لها تأثيرات وخيمة وستحقق عكس ما يدعون أنهم يريدون تحقيقه، نظرا لأن التقصير في السداد سيجعل الحكومة بشكل فوري أكثر أهمية.
إن القانون الوحيد الذي لا يستطيع الكونجرس نقضه هو قانون العواقب غير المقصودة.

خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر : بروجيكت سنديكت

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي