فن التهرُّب من المسؤولية

نعود في مقال اليوم لمحاولة أخرى لتحليل بعض السلوكيات التي يمارسها الموظف في بيئة العمل ـــ عن قصد أو عن غير قصد ــــ والتي يمكن تصنيفها ضمن السلوكيات غير المرغوبة والتي انتشرت في بيئة عملنا انتشار النار في الهشيم، والله المستعان.
يقول بيس ميرسون ''الشريك الدائم في جريمة الفساد هو تجاهل ولا مبالاة المجتمع''، بمعنى آخر أن الشريك الدائم للفساد هو التهرب من المسؤولية. ولنسقط هذا المفهوم على بيئة العمل نجد التالي: عندما يتم التهرب من المسؤولية يسقط الالتزام، وإن سقط الالتزام حصل التجاهل واللامبالاة، وبالتالي يضيع الإنجاز، وإن ضاع الإنجاز فهدر الوقت والمال والجهد هو النتيجة النهائية. في بعض الجهات الحكومية نجد أن المهام ''هلامية'' بمعنى أن مسؤولية إنجازها غير واضحة، وبالتالي يحصل التشتت في بيئة العمل. نكون بين الإفراط والتفريط، فإما اختزال جميع المسؤوليات على موظفين قلائل يُثقل كاهلهم بها، وبالتالي لا يستطيعون الإنتاج بالشكل المطلوب، أو تبعثر المسؤولية بين اللجان وفرق العمل فلا تكاد تجد للمهمة خيطا يقودك إلى المسؤول عنها، أو إعطاء المسؤولية من دون صلاحية أو ناقصة الصلاحية، وبالتالي يكون المسؤول عن المهمة في الواجهة، ولكن ''وللأسف'' لا يستطيع الإنجاز لأن مفاتيح التحكم بهذه المهمة عند غيره.
طبعا الأدهى من ذلك أنه تَولد لدى البعض خبرة من جراء هذه الممارسات من اختزال أو تشتيت للمسؤولية أو فصل بين المسؤولية والصلاحية، وأصبح هذا الخبير ''وللأسف'' بدلا من أن يستخدم خبرته في معالجة الأمر، نجد أنه يمارس فناً سرياليا في التهرب من المسؤولية. فتجده يستخدم ظروف الواقع ليصل إلى ما فوق الواقع المرئي، بمعنى أنه يستخدم تواجده في العمل كموظف، وهذا هو الواقع، للوصول إلى ما فوق الواقع، وهو عدم تواجده في العمل، وبالتالي التهرب من المسؤولية. فتجده يستبسط المهمة ليرميها على أحد مرؤوسيه، أو يستصعبها حتى يبقيها مع رؤسائه، فهو بين هذا وذاك يسطر أجمل العبارات ويستحضر الأنظمة واللوائح لدعم موقفه ويغرد بالنظريات الإدارية ليثبت أن أفضل طريقة لأداء المهمة هي ألا يكون مسؤولا عنها.. وعجبي!
هؤلاء النوعية من الموظفين وصلوا لحالة لا يمكن لهم أن يبادروا ويتحملوا المسؤولية، ففي نظرهم أن المبادرة بتحمل المسؤولية هي نتاج ''غباء'' الشاب أو الموظف الجديد المتحمس لإثبات وجوده أو ''غباء'' للموظف الطموح للترقية، وبالتالي الفرصة لهم كبيرة لتوريطه بمسؤوليات تنزاح عن كاهلهم وتقع على كاهل غيرهم. هؤلاء لا يعيرون بالاً ولا اهتماما لمصلحة العمل، فالمهم أن رواتبهم في موعدها دون خصم وترقياتهم في جدولها دون تأخير واستئثار المميزات عادتهم والنفاق الاجتماعي أسلوبهم.
المهم أن أسباب وجود هذه النوعية من الموظفين هي أسلوب الإدارات المتعاقبة عليهم، فحتما قد أثروا في هذا الموظف لينتهج هذا النهج المنبوذ. فحريٌ بنا أن نتنبه لخطورة أساليب إدارتنا حتى لا نؤثر سلبا في بيئة عملنا وندعم شكلا من أشكال الفساد بوعي أو من دون وعي منا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي