انخفاض القيمة النقدية للعملات ما بين الحقوق والالتزامات (1 من 2)
مع ارتفاع أسعار النفط والذهب وتقلب أسعار العملات يدور الإشكال حول انخفاض أو ارتفاع القيمة الحقيقية للنقود وأثر ذلك في الالتزامات، خاصة إذا كان الفارق في القيمة كبيرا. فلا يختلف أحد أن الريال السعودي انخفضت قيمته الشرائية بنسبة تقارب 30 في المائة إن لم تكن تتجاوز ذلك، ومع ذلك فإن هناك بعض العقود سواء عقود الاستثمار أو عقود القروض كانت قبل هذا الانخفاض وما زالت آثارها مستمرة، فعند السداد تكون القيمة الشرائية للعملة قد انخفضت فيتبادر إلى الذهن التساؤل الكبير: هل لهذا التغيير أثر في الحقوق والالتزامات؟ ويجاب عن ذلك بإجابة مبسطة أنه عندما بُعث الرسول - صلى الله عليه وسلم - كانت النقود التي يتعامل بها الناس هي الدنانير الذهبية والدراهم الفضية، فشرع - صلى الله عليه وسلم - من الأحكام ما ينظم تعامل المسلمين بهذين المعدنين: الذهب والفضة، وهذه الأحكام التي تُعرف في الفقه الإسلامي بأحكام الصرف.
ومن هذه الأحاديث ما رواه عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ''الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد'' (أخرجه مسلم، 4147).
فهذا الحديث وغيره في بابه يُؤخذ منه أن الصرف كي يتم صحيحا بغير ربا يشترط فيه التالي:
1. التماثل بغير زيادة ولا نقصان عند تبادل ذهب بذهب، ومثله دينار بدينار، أو تبادل فضة بفضة، ومثلها درهم بدرهم، ويسقط هذا الشرط إذا كان بيع ذهب بفضة ولا يتأخر البيع.
2. القبض في المجلس قبل الافتراق؛ فلا يُباع غائب بحاضر، ولا يتأخر القبض وإنما هاء وهاء، ويدا بيد، فإذا افترق المتصارفان قبل أن يتقابضا، فالصرف فاسد بغير خلاف، وأحكام الصرف واضحة ومفصلة في كتب الفقه.
لكن المشكلة طرأت من الزيادات الفاحشة للأسعار، ما أدى إلى انخفاض قيمة النقود يوما تلو الآخر على النحو المشاهد والمعايش، وهو ما يُعرف بظاهرة ''التضخم''.
والتضخم بكل بساطة هو ضعف القوة الشرائية للعملة، فإذا كان عشر وحدات من عملة البلد تشتري كيلو جراما من اللحم أو دجاجتين في الزمن الحاضر، ثم ضعفت القيمة الشرائية للعملة بعد سنة وأصبح ثمن كيلو اللحم أو قيمة الدجاجتين ما يعادل 15 وحدة من وحدات العملة المحلية، فهذا يعني أن التضخم حدث بمعدل كبير وهو 50 في المائة.
لذا فإن المستثمر الذي ربط أمواله لفترة طويلة بعائد مقبول لديه وقت بداية الاستثمار أصبح خاسرا؛ ليس بسبب سوء اختياره لقناة الاستثمار، بل لأن عاملا آخر وهو التضخم قد قضى على قدر كبير من قيمة استثماره.
والتضخم المقبول والمعقول والمتوقع وجوده يكون صغير المقدار، وقد لا يتجاوز 0.5 في المائة، أو 1 في المائة في العام، عندما يكون الوضع الاقتصادي للبلد سليما وصحيحا، علما أن تضخما في حدود 1 - 2 في المائة لا يمكن اعتباره نذير سوء، لكن في حالة تجاوز معدل التضخم لهذا المعدل؛ فإن هذا يعني عدم الانتظام الاقتصادي وتأثره بالأمور الخارجية، فإذا ما أردنا التعرف على أسباب التضخم من خلال ما عرضه علماء الاقتصاد في مؤلفاتهم، فسنجد ما يأتي: الاختلال بين العرض والطلب، ارتفاع التكلفة، ارتفاع الأجور بسبب ارتفاع الأسعار، ارتفاع سعر الفائدة، ارتفاع أسعار السلع التي يتم إنتاجها في الاحتكار أو منافسة القلة، ارتفاع معدلات الأجور، ارتفاع أثمان المواد الخام أو المواد الغذائية المستوردة ما يزيد من نفقات الإنتاج، التوسع في الاستهلاك، اختلال التوازن بين الاستهلاك والاستثمار، ثم النفقات العامة التي تتطلب رؤوس أموال كبيرة دون أن تؤدي في غالب الأحيان إلى أي إنتاج؛ كالمصروفات المنفقة على الصحة والتعليم وغيرها، كل هذه تؤدي إلى التضخم.