خيل الحكومة!

زمان في "مصر" كانوا يطلقون على من أنهوا مدة خدمتهم "خيل الحكومة"، كانت الحكومة في ذلك الوقت تستخدم الخيول قبل انتشار السيارات والدراجات البخارية. وعندما يتقدم العمر بالحصان، ويصبح غير قادر على العمل، يطلقون عليه "رصاصة الرحمة"، ويتخلصون منه، لكن ذلك قد انتهى الآن، ويبدو أن "خيل الحكومة" سوف يصبح نظاماً معمولاً به في المملكة.
فهناك نحو 400 ألف متقاعد أنهوا مدة خدمتهم سواء في الحكومة أو القطاع الخاص، لكن معاشهم الشهري، سواء من بقي على قيد الحياة، أو أسرة الذي رحل في رحاب الله، هذا المعاش لا يكفي نفقات المعيشة في ظل ارتفاع الأسعار الذي لا يتوقف عند حد ويصبح حالهم مثل حال "خيل الحكومة"، وهذا الذي خرج على المعاش، وظل في سن المرض، فلا المعاش يكفي العيشة، ولا يكفي العلاج، وكأننا نطلق عليهم "رصاصة الرحمة" عندما نتركهم فريسة الحاجة، وفريسة المرض، وفريسة الديون التي تتراكم عليهم بضرورة الحاجة.
أعرف أن الدكتور "فؤاد بوقري" رئيس جمعية المتقاعدين يحاول بشتى الطرق إيصال هؤلاء إلى الجهات المسؤولة في المملكة وخاصة المسؤولتين في "السعودية" عن معاشات التقاعد، والغريب أن مطالب المتقاعدين ليست مسألة مبالغا فيها ولا هي مستحيلة، إنهم يطلبون زيادة المعاشات بما يكفل لهم حياة كريمة، وأن ينالوا بعض الإعفاءات من رسوم الخدمات الحكومية، كخدمات المرور والجوازات، وأن يتمتعوا بتخفيضات في وسائل النقل الرسمية مثل الخطوط السعودية والقطارات، وأن يتمتعوا بالتأمين الصحي للمتقاعدين وأسرهم، وكلها معقولة وممكنة التنفيذ، فليس من المعقول ولا من الإنسانية في مجتمع إسلامي يقوم على التكافل، أن نهمل هؤلاء الذين أفنوا شبابهم في أعمالهم، واستفادت منهم البلاد، بجوار أن هؤلاء يمثلون خبرة الوطن، والخبرة لا تصنع، إنما هي نوع من التراكم المعرفي، لا نستطيع أن نقدمه لشاب في مقتبل العمر وفي مقتبل الوظيفة. هذه الخبرات من الضروري الاستفادة منها، ومن يستطيع من هؤلاء المتقاعدين أن يعمل فلنساعده على ذلك ونستفد من خبرته التي اكتسبها طوال عمره، وإلا .. فإننا نكون كمن يبدأ من جديد في كل مرة.
إن هؤلاء بخبرتهم يمثلون أساتذة للأجيال الجديدة، التي يمكن أن تكتسب منهم الخبرة، وبذلك يتقدم المجتمع .. أما الذين لا يستطيعون العمل فيجب أن نرد لهم الإحسان بالإحسان .. ولا نقابل الإحسان بالجمود، هؤلاء من حقهم أن يعيشوا سنواتهم الباقية في هدوء دون الوقوع تحت ضغط الحاجة، حاجة المعيشة أو حاجة العلاج، وألا نعتبرهم مثل "خيل الحكومة".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي