الحكومة الصينية مستمرة في خوفها من ثورة الياسمين

جاءت الحملة السياسية المستمرة حاليا في الصين، التي يعتبر أبرز ضحاياها، حتى الآن، الفنان آي وي وي، بعد دعوات وردت على الإنترنت ''لثورة ياسمين'' مشابهة لتلك التي أطاحت بحكومتي تونس ومصر. وتحث هذه الدعوات مجهولة المصدر على تحرك أولئك الذين يأملون في رؤية الإصلاح السياسي، وهو يعم بكل بساطة، المدن التجارية الكبرى، مثل بكين، وشنغهاي، ومدنا أخرى، في فترات ما بعد ظهر أيام الأحد.
أوردت وسائل الإعلام الغربية غيابا لمثل هذه التظاهرات المفتوحة في مثل هذه المناسبات. ولم يظهر تجمع في منطقة وانجفوجنج للتسوق في بكين يوم الأحد أي علامات على وجود احتجاجات. ومع ذلك، كانت هناك أعداد كبيرة من رجال الشرطة، وأعداد ملحوظة من عربات الشرطة، وضباط بلباس رسمي. كما أنه ما من شك في وجود رجال أمن بلباس مدني بالقرب من مطعم ماكدونالدز، وربما داخل المطعم ذاته. واعتادت السلطات الصينية الاستفادة من هذه المناسبات لتحديد من يحتمل أن يتسببوا في حدوث المشكلات. وتم الكشف خلال الفترة الأخيرة عن الحكم باحتجاز شاب في الحادية والعشرين من عمره، لمدة عامين، في أحد معسكرات العمل لمشاركته ''في تجمع غير قانوني والتظاهر'' في وانجفوجنج في شباط (فبراير). والتقط هذا الرجل المدعو وي كويانج، صورا للجموع خارج مطعم ماكدونالدز، وعرضها على الإنترنت. وقال إنه رفض مغادرة المكان، رغم أوامر الشرطة بذلك. ولم يعرف أحد عدد الآخرين الذين تم إلقاء القبض عليهم. وبينما لم تكن في استطاعة المراسلين الأجانب تحديد المتظاهرين، فقد كانت الشرطة الصينية قادرة على ذلك.
يضاف إلى ذلك أن سلطات الأمن في الصين، اعتقلت، أو ''أخفت'' ببساطة عددا من محاميي حقوق الإنسان، والنشطاء، وأصحاب المدونات، بتهمة تجاوز القواعد القانونية. وإن من الواضح أن الحكومة الصينية مصممة على منع حدوث ما جرى من احتجاجات في الشرق الأوسط، في الصين، وذلك من خلال القبض مسبقا على أولئك الذين يمكن أن يشاركوا في مثل تلك الاحتجاجات.
قد يبدو هوس الصين بالحيلولة دون أي احتجاجات أمرا غريبا في ظل قلة أوجه الشبه بين الصين والشرق الأوسط. ويذكر هنا أن اقتصاد الصين كان معجزة العالم خلال العقود القليلة الماضية، حيث هناك عدد كبير من ناطحات السحاب التي تملأ المدن الصينية في الوقت الراهن، كما أنه جرى انتشال ملايين من سكان الصين من براثن الفقر.
لكن من وجهة نظر زعماء الصين، فإن مقارنة حكومة الصين بالحكومات الدكتاتورية في الشرق الأوسط، قد تعيد إلى الأذهان ذكريات كان يمكن أن ينساها العالم، ولا سيما الهجوم العسكري الذي تم ضد الطلاب العزل، بأوامر من الحزب الشيوعي الصيني، في عام 1989. وبالتالي، فإنه حين حذّر الرئيس الأمريكي باراك أوباما الرئيس المصري حسني مبارك من استخدام القوة ضد شعبه، تذكر زعماء الصين ما حدث قبل 22 عاما. وإن استخدام القوة ضد الشعب هو بالضبط ما قام به الحزب الشيوعي الصيني، وذلك بعد أسابيع من الاحتجاج في ساحة تيانامين في بكين مطالبة بالديمقراطية، إضافة إلى مظاهرات في عشرات من المدن الصينية.
على النقيض من هجوم الجيش الصيني على الطلبة في الرابع من حزيران (يونيو) 1989، عقدت بولندا انتخابات برلمانية فازت فيها حركة التضامن المستقلة بأغلبية ساحقة، حيث أدى ذلك إلى وجود حكومة غير شيوعية بحلول أيلول (سبتمبر) من ذلك العام. وسقطت حكومات أخرى في أوروبا الشرقية كذلك دون إراقة دماء، حين انصاعت قيادات الأحزاب الشيوعية إلى إرادة الشعوب. غير أن الحزب الشيوعي الصيني ظل صامدا، حيث رفض تقديم أي تنازل. ويشعر هذا الحزب بالفخر الآن؛ نظرا للتقدم الاقتصادي الكبير الذي حققته الصين بينما ترفض الديمقراطية على الطراز الغربي.
إن ليبيا هي في الوقت الراهن محط أنظار العالم، حيث يرفض العقيد القذافي التنحي عن الحكم، رغم كل المطالبات بأن يفعل ذلك بعد 42 عاما من الحكم، تعتبر أطول فترة يقضيها حاكم في المنصب في العصر الحديث. وقال الرئيس أوباما ''حين لا يمتلك قائد أي وسيلة للبقاء في الحكم سوى استخدام العنف الشامل ضد شعبه، فإنه يكون قد فقد شرعية الحكم. وعليه أن يقوم بالأمر الأفضل لبلاده، وهو التنحي''. فماذا كان رد القذافي؟ لقد امتدح في خطاب مطول ما قامت به حكومة الصين عام 1989، وقال ''تم سحق الناس تحت جنازير الدبابات. وكانت وحدة الصين أهم من أولئك المحتجين في تيانامين''. ومضى قائلا ''سأفعل ما أستطيعه لضمان عدم انفصال أي جزء عن هذا البلد''.
هكذا، فإن الحكام المستبدين، في أيامنا هذه، يبررون قتل شعوبهم، من خلال استذكار ما فعله الصينيون عام 1989. وقد يكون ذلك هو السبب في خوف زعماء الصين من ثورة ياسمين. وهم يتذكرون ما حدث عام 1989، ويحرصون بشدة على عدم حدوث انتفاضة أخرى. وعلى الرغم من ضعف احتمال حدوث ذلك، فإنهم يعتقلون أي شخص يتوقعون مشاركته في مثل هذه الثورة.

خاص بـ ''الاقتصادية''
حقوق النشر: Opinion Asia

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي