العلاقات الخليجية - الإيرانية ومبدأ حسن الجوار

يكاد لا يخلو بيان يصدره مجلس التعاون الخليجي يتناول العلاقات مع إيران من الإشارة إلى دعوة إيران إلى الالتزام بمبدأ حسن الجوار في علاقاتها مع الدول الخليجية العربية. ولذلك أجد من المناسب أن أسلط بعض الضوء على هذا المبدأ الذي يعتبر أحد المبادئ الرئيسة المستقرة في القانون الدولي العام التي تحكم العلاقات بين الدول. إن مبدأ حسن الجوار هو مبدأ قديم نصت عليه الشرائع السماوية والقوانين الوضعية القديمة والحديثة، فمثلا تأمر الشريعة الإسلامية باحترام الجوار وحسن معاملة الجار والإحسان إليه، يقول الحق - سبحانه وتعالى - في كتابه الكريم (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ). ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - (ما زال جبريل يوصني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه). لقد انتقل هذا المبدأ إلى القانون الدول العام كعرف دولي ملزم ثم نصت عليه العديد من الاتفاقيات الدولية، كذلك ورد ذكره في ديباجة ميثاق هيئة الأمم المتحدة، حيث تعهدت شعوب هذه الهيئة بأن تعيش معا في سلام وحسن جوار. وطبق القضاء الدولي هذا المبدأ في عدد من القضايا الدولية، بوصفه قاعدة من قواعد القانون الدولي العام التي يجب احترامها وتطبيقها على علاقات الدول المتجاورة.
ودون الدخول في الجوانب التفصيلية المتشعبة لهذا المبدأ، فإنه باستقراء آراء العديد من فقهاء القانون الدولي العام يمكن القول إن هذا المبدأ هو في الواقع يضم في مفهومه مبادئ وقواعد قانونية أخرى، أبرزها ما يلي:
1- عدم المساس بسيادة واستقلال الدول المجاورة.
2- عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة.
3- عدم المساس بالنظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدول المجاورة.
4- عدم استخدام إقليم الدولة استخداما ضارا بأقاليم الدول المجاورة.
5- العمل على تنمية مناطق الجوار. وتيسير إجراءات انتقال سكان هذه المناطق عبر الحدود المشتركة من أجل ممارسة التجارة أو العمل أو الرعي في هذه المناطق وفقا لقواعد وضوابط تتفق عليها الدول المتجاورة.
6- تسوية المنازعات بين الدول المتجاورة بالطرق السلمية.
إن المتابع للسياسة الإيرانية في العهدين الملكي والجمهوري حيال دول الخليج العربي يجد أن هذه السياسة لا تعبأ بمبدأ حسن الجوار، وأن هدفها العام هو السيطرة والهيمنة على دول الخليج العربي والتأثير على توجهاتها على النحو الذي يخدم المصالح الإيرانية. وإيران في سبيل تحقيق هذا الهدف تحاول التغلغل في هذه الدول وإثارة القلاقل الداخلية، وذلك من خلال تأجيج النعرات الطائفية وتشجيع وتمويل وتوجيه بعض حركات المعارضة الشيعية والتهيج الإعلامي لبعض الأحداث الداخلية وتضخيمها لإشعال الفتن بين مكونات المجتمعات الخليجية العربية. ونسوق هنا ثلاثة أمثلة من التصرفات الإيرانية التي أدت في الآونة الأخيرة إلى توتر العلاقات بينها وبين دول مجلس التعاون الخليجي توترا شديدا.
أولا: المثال الأول التدخل الإيراني السافر في الشؤون الداخلية لمملكة البحرين على أثر المظاهرات التي بدأت في 14/2/2011 بهدف المطالبة بإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية؛ فأدى التدخل الإيراني وتأثيره في مجريات الأحداث إلى إلباس هذه الاحتجاجات ثوبا طائفيا من خلال تصويرها على أنها مواجهة بين أغلبية شيعية تطالب بحقوق سياسية واقتصادية وأقلية سنية تسيطر على مقاليد السلطة، وتحت التأثير الإيراني رفضت المعارضة الشيعية البحرينية دعوة ملك البحرين حمد بن عيسى آل الخليفة إلى إجراء حوار وطني بين المعارضة وجميع الأطراف الأخرى تحت إشراف نجله ولي العهد الأمير سلمان بن حمد؛ بهدف البحث في كيفية تحقيق مطالب وطموحات المواطنين البحرينيين في الإصلاح الديمقراطي والاقتصادي، وأدى هذا الرفض وارتفاع سقف المطالبات إلى حد المطالبة بإسقاط النظام الملكي إلى الصدام بين المعتصمين في ميدان دوار اللؤلؤة في المنامة وقوات الأمن وانتهى الأمر إلى فض الاعتصام.
ونظراً لأن أمن البحرين هو جزء لا يتجزأ من الأمن الوطني لدول الخليج العربي، وكان معرضا للخطر نتيجة للتدخل الإيراني فقد طلبت البحرين من شقيقاتها دول مجلس التعاون إرسال قوة عسكرية من قوات (درع الجزيرة) الخليجية لحماية المنشآت والمرافق العامة في البلاد واستجابت السعودية والإمارات لهذا الطلب وأرسلتا قوة مكونة من 1500 جندي. وبالرغم من أن هذه المعونة العسكرية قد أرسلت بناءً على طلب حكومة البحرين واستنادا إلي اتفاقية الدفاع المشترك المبرمة بين دول مجلس التعاون، إلا أن إيران احتجت على ذلك احتجاجا صاخبا وطالبت بانسحاب هذه القوة وكأن البحرين جزء من الإقليم الإيراني وكأن البحرين ليست دولة مستقلة ذات سيادة. وهي بهذا الاحتجاج تريد أن تصادر حق حكومة البحرين في طلب المساعدة من أي جهة للمحافظة على أمنها واستقرارها. ولقد استنكرت دول مجلس التعاون الموقف الإيراني واتهمت إيران بتهديد الأمن الوطني الخليجي وطالبت بأن تكف إيران عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية. كما طالبت المجتمع الدولي وفي مقدمته مجلس الأمن باتخاذ ما يلزم من إجراءات لوقف التدخلات والاستفزازات والتهديدات الإيرانية السافرة التي تسعى لإشعال الفتن والتخريب داخل دول مجلس التعاون؛ بهدف زعزعة الأمن والاستقرار فيها رغم كل النوايا الطيبة التي أبدتها دول مجلس التعاون. وقدمت دول مجلس التعاون الخليجي شكوى بشأن تدخل إيران في شؤون بلدانهم الداخلية إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ومندوب كولومبيا؛ بوصف بلاده الرئيس الحالي لمجلس الأمن الدولي. وأكدت الدول الخليجية في رسالتها إلى الأمين العام ورئيس مجلس الأمن رفضها مضمون رسالة وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي التي وجهها للأمين العام للأمم المتحدة ودان فيها ما سماه (اللجوء إلى العنف ضد المتظاهرين السلميين في البحرين) ومطالبا بسحب ما سماه (القوة الأجنبية) من مملكة البحرين. إن إيران التي قمعت بقسوة شديدة الاحتجاجات الشعبية ضد نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي أجريت في عام 2009 وتمارس سياسة الإرهاب والتمييز الطائفي والعنصري ضد مواطنيها السنة لا يحق لها أن تدس أنفها في شؤون غيرها.
ثانيا: المثال الثاني التجسس الإيراني على دول الخليج، ففي 29/3/2011 أصدرت محكمة كويتية أحكاما بالإعدام على اثنين من الإيرانيين وكويتي واحد، كما حكمت على اثنين آخرين بالسجن المؤبد بتهمة الانتماء إلى شبكة إيرانية للتجسس على البلاد، وكشفت وقائع المحاكمة عن أن الملحق السياحي الإيراني في الكويت استطاع تجنيد هؤلاء الجواسيس تسعة أعوام وأنهم كانوا يتقاضون أموالا من إيران ويلتقون برجال المخابرات الإيرانية في طهران وفي السفارة الإيرانية في الكويت والبحرين وإندونيسيا، وأنهم كانوا يصورون مواقع عسكرية حساسة ويخططون لتفجير بعض المنشآت النفطية الكويتية بمواد متفجرة زودتهم بها المخابرات الإيرانية. كما كشفت حكومة البحرين عن وجود شبكة تجسس إيرانية في البحرين، وأنها مكونة من إيرانيين اثنين وبحريني، وأنهم أحيلوا إلى المحكمة بتهمة التخابر مع الحرس الثوري الإيراني. وطردت الكويت والبحرين عددا من الدبلوماسيين الإيرانيين المعتمدين لديهما باعتبارهم أشخاصا غير مرغوب فيهم؛ لضلوعهم في أعمال التجسس والتخريب.
ثالثا: المثال الثالث التصريحات الصادرة عن رئيس أركان الجيش الإيراني التي زعم فيها أن الخليج العربي (ملك) لإيران، وقد استنكر الدكتور عبد اللطيف الزياني، الأمين العام لمجلس التعاون هذه التصريحات، مؤكدا أن الخليج ملك لجميع الدول المطلة عليه وليس من حق إيران أن تدعي غير ذلك؛ فهي لا تملك من الخليج إلا مياهها الإقليمية، وأن تلك التصريحات تنم عن نوايا توسعية تتنافى ومبادئ حسن الجوار والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وتتعارض مع ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي وميثاق الأمم المتحدة.
صفوة القول أن السياسة الإيرانية حيال دول الخليج العربي تقوم على أساس السعي إلى الهيمنة والسيطرة على منطقة الخليج العربي، وهي لذلك تضرب عرض الحائط بمبادئ القانون الدولي، وفي مقدمتها مبدأ حسن الجوار. وهذه السياسة كما وصفها الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية تسير في الاتجاه الخاطئ. وفي تقديري أن العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران لن تكون طبيعية ويسودها الوئام إلا إذا التزمت إيران بمبدأ حسن الجوار وتخلت عن أطماع الهيمنة والتوسع، وجلت عن الأقاليم العربية التي تحتلها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي