تعديل نظام المطبوعات والنشر.. قرار يعزز الحرية المسؤولة
قبل ستة عشر عاما كنتُ أتحدث مع رئيس تحرير جريدة ''الشرق الأوسط'' آنذاك عثمان العمير عن قيام موسوعة شهيرة بسرقة تراجم عديدة من كتاب الأعلام لخير الدين الزركلي، وأن لدي دراسة جاهزة وموثقة عن هذه السرقة، فرحب عثمان العمير بالموضوع، إلا أنه أكد على نقطة مهمة، حيث قال: يجب أن تكون متأكداً من الموضوع تمام التأكد لأن قانون النشر في بريطانيا صارم، وإذا نشر موضوع ينافي الحقيقة، فقد تضطر الصحيفة إلى دفع مبالغ طائلة، فقلت له سأرسل الموضوع مع الأدلة التي تؤكد قولي وتستطيع أن تحيلها إلى من تشاء للتأكد، وفي العدد الصادر في 29 أبريل 1995م نُشر الموضوع بكامل تفصيلاته، وانتظرت رداً أو توضيحاً أو حتى اعتذار من القائمين على الموسوعة عن هذه السرقة الواضحة إلا أنهم على ما يبدو آثروا الصمت حتى ينسى الموضوع.
أمر آخر، يوم الأربعاء الماضي بثت وكالات الأنباء الغربية خبراً جاء فيه أن قصر باكنجهام تدخل لمنع هيئة الإذاعة والتلفزيون الأسترالية من بث برنامج كوميدي ساخر حول زفاف الأمير ويليام، كان من المقرر أن يبث يوم الجمعة الماضي أثناء حفل الزفاف.
ما أردته بهذه المقدمة هو الإشارة إلى أن حرية الرأي لا تعني التخلي عن الضوابط الصارمة التي تنظم عملية النشر، وتحد من التجاوزات التي قد تستغل ضعف العقوبات لتمرير أجندة أو مصالح شخصية، فيكون لها نتائج وخيمة على الأفراد، وعلى المجتمع ككل، فبريطانيا لا أعتقد أن هناك من يتهمها بالتضييق على حرية الرأي، رغم قانونها الصارم.
ويوم الجمعة الماضي حينما صدر أمر ملكي بتعديل خمس من مواد نظام المطبوعات والنشر، فإن هذا الأمر الملكي لم يكن تضييقاً على الحريات، أو مصادرة للرأي، أو حداً من انتشار الإعلام بكافة وسائله، بل جاء لمعالجة ثغرات، أصبحت مع الأسف الشديد تستغل للإساءة إلى ما تتمتع به وسائل الإعلام السعودية من نزاهة ومصداقية، بل وسببت حرجاً لعديد من القطاعات التي وجدت نفسها منشغلة بالرد على ما ينشر من أخبار مجافية للحقيقة، كما سببت حرجاً لكثير من الكتاب المشهود لهم بتحري الدقة، الذين تناولوا قضايا اعتماداً على ما ينشر في الصحف من أخبار، ثم يتضح أن ما نشر مخالف للحقيقة، فيقع الكاتب في حرج شديد أمام الرأي العام والقراء.
الأمر الملكي جاء لمعالجة وضع بات الجميع يدرك خطورته، سواء ما ينشر في الصحف، أو القنوات الفضائية، أو المواقع الإلكترونية، وهذه المعالجة هدفها تعزيز مكانة الكلمة المسؤولة، وليس الحد من النقد البناء الذي ينشد المصلحة العامة، ولا التضييق على الحريات، أو مصادرة الرأي، بل دعم هذه الحريات بتجنيبها مواقع الزلل.
كما جاء هذا الأمر الملكي ليعزز مكانة القضاء ويبعده عن أية مؤثرات، وليحفظ لعلماء البلاد مكانتهم، ويحافظ على أمن المجتمع وما يسوده من سلم، بعيداً عن إثارة النعرات والفرقة، أو ما يدعو إلى الإخلال بالأمن.