ملامح الوضع النفطي في ظل ثورة ليبيا «2 من 2»
استكمالاً لموضوع المقال السابق نواصل في هذا المقال الحديث عن الوضع النفطي الدولي في ظل أحداث ثورة ليبيا.
في 19/3/2011 بدأت العملية العسكرية المسماة (فجر الأوديسا) التي يقوم بها تحالف دولي كان تحت قيادة الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، وانتقلت الآن قيادته إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وذلك لتنفيذ قراري مجلس الأمن رقم 1970 ورقم 1973 بشأن فرض حظر جوي على ليبيا وحماية المدنيين، وتشارك دولتان عربيتان عضوان في «أوبك»، هما قطر والإمارات، في المجهود العسكري ضد القذافي. وترتب على هذا التدخل العسكري عودة سعر النفط إلى الارتفاع على نحو مطرد حتى وصل في 9/4/2011 سعر خام القياس الأوروبي (برنت) إلى 125 دولاراً ووصل سعر الخام الأمريكي الخفيف إلى 111 دولاراً، بينما سجل سعر سلة خامات «أوبك» 117 دولاراً. وأرجع بعض الخبراء السبب في هذا الارتفاع إلى تزايد أخطار الانقطاع الطويل في الإنتاج الليبي الذي تراجع من ذروة 1.58 مليون برميل يومياً إلى ما بين 250 ألفا و300 ألف برميل يومياً، مع أخطار عدم الاستقرار المتواصل في منطقة الشرق الأوسط. وأبدى بعض المراقبين خشيتهم من أن تؤدي العمليات العسكرية إلى تضرر البنية التحتية بشكل أكبر، ما يجعل ليبيا خارج سوق النفط فترة أطول. ومرة أخرى يقوم المهندس علي بن إبراهيم النعيمي، وزير البترول والثروة المعدنية السعودي بمحاولة تهدئة السوق النفطية الدولية، إذ أدلى بتصريح في 9/4/2011 أكد فيه وجود طاقة إنتاجية فائضة كبيرة لدى المملكة لمقابلة أي زيادة في الطلب العالمي أو انخفاض في الإمدادات، موضحاً أن الارتفاع الحالي لأسعار النفط يعود في الدرجة الأولى إلى المضاربات والمعلومات المغلوطة، وكذلك الخوف غير المبرر من مستقبل العرض والطلب. وأكد الوزير النعيمي أن السوق النفطية الدولية تتميز بتوازن العرض والطلب واستقرار المخزون التجاري. وفي 10/4/2011 صرح مصدر خليجي رفيع، لم يذكر اسمه، لوكالة رويترز بأن السعودية لن يكن لديها مشكلة في رفع إنتاجها النفطي للحد الأقصى من طاقتها الإنتاجية الذي تقول إنه يبلغ 12.5 مليون برميل يومياً إذا احتاجت السوق للنفط، ورفض المصدر الشكوك التي أثارها بعض المحللين بشأن مستوى الفائض في الطاقة الإنتاجية الذي تعلنه السعودية باعتبار أنها أقوال من مضاربين يحاولون التلاعب بأسعار النفط بعدما عطلت المعارك العسكرية الإنتاج الليبي.
وقال المصدر الخليجي: «استغل المضاربون نظرية ذروة النفط لدفع السوق للارتفاع، ولأن ذلك لم ينجح الآن فهم يقولون إن السعودية لا يمكنها استخدام طاقتها الكاملة وهو كلام غير صحيح بالمرة».
وألقى وزراء النفط في بعض دول «أوبك» باللوم على المضاربين في ارتفاع سعر النفط وقالوا إن المنظمة التي تمثل الدول المنتجة لا يمكنها السيطرة على السعر، إذ إن السوق حالياً تحظى بإمدادات جيدة.
وأكدت كبيرة المحللين في الوكالة الدولية للطاقة دايان مونرو إن حالة عدم اليقين في منطقة الشرق الأوسط هي التي دفعت الأسعار إلى الارتفاع وليس النقص في الإمدادات النفطية، لأنه توجد إمدادات كافية. ويرى بعض الخبراء أن من المحتمل أن يرتفع سعر النفط إلى 150 دولاراً للبرميل، وأنه إذا تجاوز هذا المستوى فإنه قد يتسبب في حدوث ركود اقتصادي دولي.
جدير بالذكر هنا أن شركة أرامكو السعودية أنتجت مزيجاً من الزيت الخام السعودي الخالص من النوع الخفيف الذي يحتوي على نسبة أقل من الكبريت ليكون بديلاً للخام الليبي الممتاز الذي افتقرت إليه الأسواق الأوروبية، وأعلن وزير البترول السعودي في 17/4/2011 أن السعودية باعت مليوني برميل من هذا المزيج. كما أكد الوزير مرة أخرى أن السوق الدولية للنفط تعاني فائضا في الإمدادات، وأن السعودية خفضت الإنتاج لضعف الطلب، حيث بلغ الإنتاج السعودي 9.126 مليون برميل يومياً في شباط (فبراير) وانخفض إلى 8.292 مليون برميل يومياً في آذار (مارس) من هذا العام. وأدى انخفاض الإنتاج السعودي لضعف الطلب إلى انخفاض أسعار النفط شيئاً قليلاً.
ومن ناحية أخرى، قال فرانكو فراتيني وزير الخارجية الإيطالي إن رئيس شركة إيني الإيطالية للنفط باولو سكاروني زار بنغازي لمناقشة التعاون في قطاع الطاقة مع الثوار، وتعهد مسؤول بارز من المجلس الوطني الانتقالي باحترام الحقوق الشرعية للشركات الأجنبية العاملة في ليبيا إذا نجحت الثورة في إزاحة العقيد معمر القذافي عن الحكم. وقال إن الحقوق الشرعية للأجانب والشركات الأجنبية في ليبيا ستحترم من قبل الحكومة المستقبلية التي سيشكلها الثوار. ونقلت قناة الجزيرة القطرية عن شهود لم تذكر أسماءهم قولهم إن قوات القذافي قصفت حقل مسلة النفطي في شرق ليبيا الذي يقع في الصحراء على بعد نحو 400 كيلومتر جنوب بلدة أجدابيا التي يسيطر عليها الثوار، وتشغله شركة الخليج العربي للنفط. ومن جهة أخرى اتهم خالد كعيم مساعد وزير الخارجية الليبي القوات البريطانية بأنها شنت غارة على حقل السرير النفطي الذي يقع جنوب شرقي ليبيا، إلا أن حلف شمال الأطلسي أصدر بياناً نفى فيه هذا الادعاء، واتهم قوات القذافي بأنها هاجمت منطقة حقل السرير، ما أسفر عن نشوب حريق في منشأة نفطية، وأن نظام القذافي أراد من هذا الهجوم منع وصول النفط إلى طبرق في شرق البلاد الذي يسيطر عليه الثوار.
تلك لمحة سريعة عن الأوضاع النفطية التي صاحبت أحداث الثورة الليبية حتى الآن.
تبقى الإشارة إلى النفط كعامل محرك للتدخل الدولي العسكري في ليبيا، إذ يعتبره بعض السياسيين والمراقبين الدافع الرئيس لهذا التدخل، وأسوق على ذلك مثالاً في رأي ألكسي بودتسيروب سفير روسيا السابق لدى ليبيا، حيث أعرب عن قناعته بأن النفط، كان الدافع الرئيس وراء تدخل الناتو في ليبيا. وأوضح في مقال نشرته صحيفة «روسيسكا جازيتا» الروسية الرسمية ــــ أن العقيد معمر القذافي أقدم في الآونة الأخيرة على منح شركات النفط الأجنبية بعض الامتيازات، لكن ذلك لم يشبع نهم الغرب الذي يطالب ليبيا بخصخصة شركة النفط الوطنية وطرح أسهمها للبيع. وقال إن القذافي لم يلب رغبات الشركات الغربية، بل أعلن أنه ينوى إعادة النظر باتفاقيات تقاسم الإنتاج، التي تمنح الشركات الأجنبية حصصاً من النفط المستخرج، تراوح بين 20 و52 في المائة، فقد كان القذافي ينوي توحيد الحصص، وتخفيضها إلى 20 في المائة. وأكد ــــ فيما يتعلق بالفرنسيين تحديداً ـــــ أنهم يثأرون من القذافي، لأنه أرغم شركتهم توتال على دفع غرامة ضخمة، وتراجع عن وعده بشراء مقاتلات فرنسية الصنع، واستعاض عنها بمقاتلات روسية.
وفي هذا الصدد أجد من المناسب الإشارة إلى موقف فنزويلا، بوصفها عضواً مؤسساً في أوبك، حيال أحداث ليبيا، إذ اعتبر على روديغيز وزير الطاقة الكهربائية في فنزويلا أن العملية العسكرية التي يشنها التحالف الدولي في ليبيا هدفها السيطرة على نفط هذا البلد وهي تشكل (خطراً هائلاً) على بقاء منظمة أوبك.
وأضاف أن (الهدف الأساس للتحالف الإمبريالي هو السيطرة على النفط الليبي، ليس فقط بسبب نوعيته، بل أيضاً بسبب الوضع الجغرافي لهذا البلد القريب من أوروبا).
واعتبر الوزير الفنزويلي، أن التدخل العسكري الغربي في ليبيا حصل لأن ليبيا كانت إحدى الدول التي عارضت مع فنزويلا الحوار بين منتجي الطاقة ومستهلكيها، وهو حوار وصفه بالهجوم الأمريكي النهائي لخنق «أوبك».
واعتبر رودريغيز أن زوال «أوبك» سيشكل صفعة كارثية لسيادة الدول النفطية وستكون له تداعيات (أبعد من النفط).
ولقد نفى أليستر بيرت وزير شؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية البريطانية، أن يكون النفط هو الدافع لهذا التدخل، حيث قال (إن كانت غايتنا هي النفط الليبي لكان من السهل جداً علينا أن نتجاهل بكل حرص الانتفاضة والاحتفاظ بعلاقات وطيدة مع العقيد القذافي، وربما إرسال بعض الدبابات للمساعدة لضمان ألا يضايق ثوار مزعجون تدفق النفط الليبي. فالشيطان الذي نعرفه خير من اتخاذ خطوة نحو المجهول مع معارضة لم تتبلور بعد وأهدافها لم تتضح تماماً). ثم أضاف (كان بإمكاننا الجلوس متفرجين وكان بمقدورنا أن نقول لقوى عربية وإقليمية أخرى إننا نفضل عدم التدخل لخوفنا من أن تتولد لدى شعوب المنطقة فكرة خاطئة لكن من المؤكد أننا لو لم نتدخل لكان قد سقط حتى الآن المئات أو أكثر من ذلك قتلى في بنغازي وغيرها من المدن).
وفي تقديري توجد عوامل عديدة حركت الغرب للتدخل العسكري في ليبيا، لكن النفط ليس هو المحرك الأول لهذا التدخل لأن النفط الليبي كان يتدفق قبل نشوب الثورة الليبية إلى أسواقه في أوروبا بشكل منتظم، كما أن الشركات النفطية الأوروبية كانت تعمل في ليبيا دون أي عوائق، يضاف إلى ذلك أنه ليس للولايات المتحدة مصالح نفطية حيوية في ليبيا، ومع ذلك اشتركت في التدخل العسكري.
ويبدو لي أن الثأر هو الدافع الأول لهذا التدخل، فالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبها القذافي من أجل قمع الثورة الشعبية منحت الغرب فرصة ذهبية لتصفية حساباته مع نظام القذافي الذي خطط ونفذ قبل سنوات عدداً من العمليات الإرهابية في بعض الدول الأوروبية. صحيح أن القذافي سبق أن تصالح مع الغرب ودفع تعويضات ضخمة لعائلات ضحايا عملياته الإرهابية وفكك مشروعه النووي وسلم محتوياته لأمريكا، إلا أن الثأر بقي كامناً في الصدور، ولما سنحت له الفرصة تحرك وانطلق، وتلك عقبى العبث واللعب بالنار مع (الكبار). أما بخصوص أثر أحداث ليبيا على «أوبك»، ففي اعتقادي أن ما يحدث في ليبيا لن يعرض وجود منظمة أوبك للخطر أو يفقدها تماسكها، إذ سبق أن واجهت المنظمة ثلاث أزمات أشد خطراً، الأولى الحرب التي دامت ثماني سنوات بين عضوين من أعضائها المؤسسين هما العراق وإيران، والأزمة الثانية احتلال العراق لدولة الكويت، وهي عضو مؤسس أيضاً، وما ترتب على ذلك من قيام تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة بشن حرب لتحرير الكويت. والأزمة الثالثة الحرب العدوانية الأمريكية - البريطانية ضد العراق واحتلاله في عهد الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، وبالرغم من أن بعض المحللين توقعوا أثناء كل أزمة من تلك الأزمات تفكك المنظمة وانهيارها، إلا أن توقعاتهم لم تتحقق وبقيت المنظمة قائمة تؤدي دورها في حماية مصالح أعضائها والمحافظة على توازن السوق الدولية للنفط.