بلطجة فضائية

في الأحداث التي تجري في عالمنا العربي اليوم، برزت إلى السطح عدة مصطلحات، أصبحت تتكرر على الأسماع، ويلعب أصحابُها دوراً في الأحداث، أول هذه المصطلحات مصطلح ''البلطجية''، الذي جرى تداوله كثيراً أثناء أحداث مصر، تلاه مصطلح ''المرتزقة'' الذي تكرر استخدامه مع بداية أحداث ليبيا، ثم خرج علينا في أحداث سورية مصطلح ''الشبيحة''.
كلمة ''مرتزق'' هي الأقدم بين هذه المصطلحات الثلاثة، ورغم أنها مشتقة من كلمة ''رزق'' إلا أن ''المرتزقة'' هم من يقومون بأعمال ويؤدون خدمات لصالح دولة غير دولتهم، نظير مقابل مالي، وغالباً ما تكون هذه الأعمال غير قانونية، وذات صفة عسكرية.
أما مصطلح ''البلطجية'' فهو مصطلح حديث، وأصل كلمة ''بلطجي'' كما جاء في كتاب المنجد في اللغة والأدب والعلوم ''من يسير مع العسكر لأجل تسهيل الطريق بقطع الأشجار وإقامة الحصون''، وكلمة بلطجي كلمة تركية مشتقة من كلمة ''بَلطة'' والتي هي نوع من الفؤوس، تستخدم في قطع الأشجار، ثم تطور هذا المصطلح ليطلق على من يستخدم القوة والعنف لأخذ ما ليس له.
بقي مصطلح ''الشبيحة'' وهم ميليشيات مسلحة تتبع بعض المتنفذين، وتقوم بأعمال خارجة على القانون، ولا يستطيع أحد أن يقف بوجهها خوفاً من انتقامها.
ما يجري على الأرض من أحداث تقوم بها مجموعات من المرتزقة والبلطجية والشبيحة، هناك ما يماثلها في الفضاء، ليس من خلال ما نشهده من عراك بالأيدي وتقاذف بالكراسي فحسب، بل وبما نشهده من حوارات تستخدم فيها أسوأ الكلمات، وأعنف التعابير، وتكون الأكاذيب منطلقا لها، بحيث يكون من يشارك في الحوار سعياً وراء الحقيقة، عاجزاً عن مجاراة البلطجي الفضائي، فيخرج خاسراً، رغم أنه يدافع عن قضية عادلة، ويسوق أدلة منطقية.
بعض القنوات الفضائية استطاعت تربية عدد من بلطجية الفضاء، يتم قبل خروجهم على المشاهد، التفاوض على ما سيقولونه، وأي دولة سوف يستهدفونها، والدول التي يجب الابتعاد عنها.
البلطجي والمرتزق والشبيح، لا يدافعون عن قضية يؤمنون بها، وإنما يدافعون عن مصالح من يدفع لهم، ومثلهم بلطجية القنوات الذين تجدهم على ارتباط بقناة معينة، أو بدولة، ويدافعون عن أية قضية، أو موقف يطلب منهم الدفاع عنه، ويهاجمون أية دولة يطلب منهم الهجوم عليها، ليس لموقف أخلاقي، وإنما لأن ما استخدموا من أجله يفرض عليهم القيام بهذا العمل.
ما يتسرب من حوارات تجري أثناء الفواصل في البث المباشر في بعض القنوات الفضائية، يوضح ما يجري من اتفاقات وتوزيع أدوار، وهذا نوع من بلطجة الفضاء التي هي أشد خطراً من بلطجة الأرض، لأن المتضررين من بلطجية الأرض قد لا يتعدون الآلاف، في حين أضرار بلطجية الفضاء تضر بالملايين، ممن أسلموا عقولهم لما يطرح عبر البرامج الحوارية.
وإذا كانت القوانين قادرة على محاسبة بلطجية الأرض، فإن بلطجية الفضاء يشهرون سلاح حرية الرأي أمام كل من يسعى إلى محاسبتهم، وهذا السلاح أصبح في عصرنا الحاضر أكثر قوة، وأمضى من أي سلاح آخر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي