قرار الدالاي لاما: أين يقف أصحاب المصلحة؟

قد يغير قرار الدالاي لاما الأخير بالتخلي عن السياسة النشطة تماما مسألة التبت. وجاء هذا الإعلان من قبل الدالاي لاما في الذكرى الثانية والخمسين للانتفاضة التبتية في العاشر من آذار (مارس) 1959. وطلب الدالاي لاما من الحكومة التبتية في المنفى تغيير الدستور الحالي واستبدال منصبه ''بنظام ديمقراطي يتم بموجبه انتخاب القيادة السياسية من قبل الشعب التبتي لمدة محددة''.
تم إجراء الكثير من المناقشات حول شكل الحركة التبتية في حقبة ما بعد الدالاي لاما في الأوساط الأكاديمية والسياسية. وما جاء بمثابة مفاجأة هو قراره بالتقاعد وتسليم قيادة الحركة إلى ممثل منتخب. وهي خطوة يجب اعتبارها خطوة واقعية تماما، فالدالاي لاما يدرك أنه بعد وفاته، قد تنشأ أزمة حول الشرعية فيما يتعلق بهوية خليفته الروحي. ومن جانبه، من المرجح أن يعمل الحزب الشيوعي الصيني على ضمان أن يكون ممثله مقبولا باعتباره التناسخ المشروع للدالاي لاما. ويدرك التبتيون أن هذا الخلاف قد لا ينتهي، وقد يكون له تأثير مدمر في حركتهم من أجل الحكم الذاتي.
من المحتمل كذلك أن الدالاي لاما أحيا الحركة التبتية عن طريق الإعلان عن تقاعده بهدف تقديم الزعيم التالي. وعلى كل حال، سيلعب الدالاي لاما نفسه دور المرشد والدليل. ومن المرجح بقوة أن الشعب التبتي سيكون راضيا لمعرفته بأنه هو من يحضّر زعيمهم التالي. وسيسهم هذا إلى حد ما في تخفيف حدة المشاكل التي قد تنشأ في حال وفاة الدالاي لاما في وقت غير مناسب.
إن إحدى المشكلات التي قد يواجهها أي خليفة جديد هي اكتساب الثقة والقبول اللذين كان يحظى بهما الدالاي لاما من قبل التبتيين والمجتمع الدولي على حد سواء. علاوة على ذلك، من المحتمل أن يتساءل الكثيرون إذا ما كان الممثل المنتخب ديمقراطيا قادرا على إعطاء الحركة التبتية حقها، والمضي بها قدما بحماس الدالاي لاما نفسه؟
ثمة سؤال آخر في حاجة إلى إجابة، وهو: إذا ما كانت استقالة الدالاي لاما تحفز صحوة سياسية بين التبتيين؟.. وكانت بعض العلامات على هذه الصحوة واضحة في الاقتراع الأخير لانتخاب رئيس وزراء الحكومة التبتية في المنفى. ووفقا للأدلة العملية، كانت هناك زيادة ملحوظة في عدد التبتيين الموجودين في مقصورات الاقتراع في دارماشالا، ومراكز اقتراع أخرى. وقد يكون السبب هو أن الكثير من التبتيين أدركوا أن الانتخابات هي مفتاح مستقبل الحركة التبتية. وتم التصويت في وقت واحد في ثماني مستوطنات تبتية مختلفة منتشرة في أنحاء الهند. وإضافة إلى ذلك، شاركت الجاليات التبتية في جميع أنحاء العالم كذلك، وتم تسجيل ما مجموعة 83339 ناخبا تبتيا. فهل سيجعل هذا الزخم السياسي الجديد التبتيين أكثر تنظيما وجدية بشأن اختيار ممثل يكون مقبولا من المجتمع التبتي الأكبر؟
تمثل الانتخابات الديمقراطية للدالاي لاما المقبل تخليا عن نظام الحكم الواحد الذي تتبعه جمهورية الصين الشعبية. وعن طريق إدخال الديمقراطية لانتخاب الرئيس السياسي للحركة التبتية، يسهم الدالاي لاما في تغيير شكل وجوهر الحكم للتبتيين. وإذا تم إرساء هذا النظام بقوة، فمن المرجح أن تكون المفاوضات المستقبلية المتعلقة بالقضية التبتية بين كيانين سياسيين. وتحاول الحكومة الصينية حتى الآن التقليل من أهمية الدالاي لاما عن طريق الإشارة إليه بوصفه الزعيم الروحي والديني. وبذلت الحكومة جهودا جادة لاطلاع المجتمع الدولي على أن الدور السياسي للدالاي لاما يجب ألا يؤخذ على محمل الجد. وعن طريق اتخاذ قرار بانتخاب زعيم بشكل ديمقراطي، يبدو أن الدالاي لاما استخدم ورقته الرابحة ضد الحكم المطلق الصيني.
مع ذلك، فإن سلطته على المجال الروحي هي بالضبط ما سهلت على الدالاي لاما السفر والتفاعل مع المجتمع الدولي. وفي الحالة التي يكون فيها الممثل المقبل زعيما سياسيا منتخبا، قد لا يشعر المجتمع الدولي بالراحة إزاءه.
النتيجة المهمة الأخرى هي في سياق العلاقات بين الهند والصين. فكيف سيؤثر هذا التغيير على مسائل البروتوكول والأهمية النسبية للحكومة التبتية في المنفى في دارماشالا، ناهيك عن تأثيره على العلاقات الثنائية؟ لطالما كان وجود الحكومة التبتية في المنفى في الهند موضع خلاف بين بكين ونيودلهي. ومن المرجح تماما أن تجعل خطوة الدالاي لاما الأخيرة العلاقة أكثر إثارة للجدل.
مع وجود مثل هذه القضايا، وبما أن مستوى الراحة لأصحاب المصلحة غير معروف إلى حد كبير، فمن المحتمل أن يكون للقضية التبتية شكل غير معروف حتى الآن.

خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: Opinion Asia

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي