هل كان يوجد خلل في السلطتين التنفيذية والتشريعية؟!
قرأت مقالاً للزميل المحامي ماجد قاروب منشورا في جريدة ''الاقتصادية'' بتاريخ 23/4/1423هـ الموافق 28/3/2011 بعنوان ''رجال الأعمال في الأوامر الملكية'', تناول فيه بالتقريظ الأوامر التي أصدرها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وأعلنت يوم الجمعة 13/4/1432هـ.
وجذب انتباهي في هذا المقال العبارة التالي نصها حرفياً: ''وهكذا أصلح الملك بمفرده خلل السلطة التنفيذية والتشريعية بإصدار هذه الأوامر الملكية التي تجاوزت الجميع ووصلت إلى الوطن والمواطن بأقصر الطرق وأفضلها''.
وهنا لنا وقفة للتعليق فنقول ما يلي:
أولاً: لا جدال أن لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز مبادرات ومشاريع إصلاحية في مجالات عديدة، والأوامر الملكية سالفة الذكر كانت في مجملها ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية تستهدف معالجة أسباب البطالة وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين, ولم تكن ألبتة من أجل إصلاح خلل أصاب السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية في الدولة، فالملك أصدر هذه الأوامر بوصفه رئيس الدولة ومرجع جميع السلطات في الدولة، ومن منطلق مسؤولياته في توفير أسباب الحياة الكريمة للمواطنين إعمالاً للمبدأ الإسلامي الذي أرساه الحديث النبوي الشريف ''كلكم راع وكل راع مسؤول عن رعيته''.
ثانياً: إن الادعاء بوجود خلل في أي سلطة قول جلل, لأن من شأن أي خلل أن يؤدي إلى اختلال وضع السلطة أو عجزها كلياً أو جزئياً عن أداء عملها وممارسة اختصاصاتها، لذلك فإنني لست أدري على أي أساس تصور الزميل ماجد قاروب أنه كان يوجد خلل في السلطتين التنفيذية والتشريعية، وأن هذا الخلل احتاج إلى تدخل الملك لإصلاحه؟! طبقاً لأحكام النظام الأساسي للحكم ونظام مجلس الوزراء تدخل السلطة التنفيذية ضمن اختصاصات مجلس الوزراء الذي يرأسه الملك، وهذه السلطة تؤدي أعمالها واختصاصاتها وفق القواعد والإجراءات المنصوص عليها في الأنظمة واللوائح ذات العلاقة بعمل هذه السلطة، ويعقد مجلس الوزراء اجتماعاً عادياً مرة واحدة في كل أسبوع، يدلي على أثره وزير الثقافة والإعلام بتصريح يوضح فيه أهم الموضوعات التي تداولها المجلس بالبحث والمناقشة وأهم القرارات التي أصدرها في تلك الجلسة. ووضع النظام القواعد الكفيلة بعمل أجهزة السلطة التنفيذية في انسجام وانتظام, حيث نصت المادة 29 من نظام مجلس الوزراء على ما يلي:
''الملك رئيس مجلس الوزراء هو الذي يوجه السياسة العامة للدولة ويكفل التوجيه والتنسيق والتعاون بين مختلف الأجهزة الحكومية ويضمن الانسجام والاستمرار والوحدة في أعمال مجلس الوزراء، وله الإشراف على مجلس الوزراء والوزارات والأجهزة الحكومية وهو الذي يراقب تنفيذ الأنظمة واللوائح والقرارات....''.
إذن لم يكن يوجد خلل عطل أو أعاق السلطة التنفيذية التي يرأسها الملك عن ممارسة أعمالها واختصاصاتها.
ثالثاً: أما السلطة التشريعية (التنظيمية) فهي منوطة بمجلس الوزراء ومجلس الشورى وفقاً لأحكام النظام الأساسي للحكم ونظامي مجلس الوزراء ومجلس الشورى، وتمارس هذه السلطة أيضاً أعمالها واختصاصاتها وفق القواعد والإجراءات المنصوص عليها في الأنظمة واللوائح ذات العلاقة، وتطالعنا الصحف بين الحين والآخر بأخبار اجتماعات مجلس الشورى والموضوعات التي كانت محل مداولاته وما تمخض عنها من نتائج. بل إنه حتى في حالة حدوث خلاف بين مجلس الوزراء ومجلس الشورى حول أي موضوع أو شأن فإن النظام وضع آلية محددة للفصل في هذا الخلاف, حيث نصت المادة 17 من نظام مجلس الشورى على ما يلي:
''ترفع قرارات مجلس الشورى إلى رئيس مجلس الوزراء ويحيلها إلى مجلس الوزراء للنظر فيها، فإن اتفقت وجهات نظر المجلسين صدرت بعد موافقة الملك عليها، وإن تباينت وجهات النظر، فللملك إقرار ما يراه''.
يضاف إلى ذلك أن الملك عين وزير دولة لشؤون مجلس الشورى ليشرف على عملية الاتصال والتنسيق بين جناحي السلطة التشريعية أي مجلس الوزراء ومجلس الشورى.
إذن السلطة التشريعية، مثل السلطة التنفيذية، كانت ولا تزال تؤدي دورها بشكل منتظم وفي إطار القواعد والإجراءات النظامية المرعية, وبالتالي لم يكن يوجد لديها خلل يحتاج إلى إصلاح. يضاف إلى ذلك أن العلاقة بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية قائمة على أساس التعاون ويسودها الوئام والانسجام.
رابعاً: وترتيباً على ما تقدم نقول إما أن القلم الذي استخدمه الزميل ماجد قاروب قد جمحت به الحماسة فوقع من حيث لا يدري في خطأ جسيم في حق السلطتين التنفيذية والتشريعية، وإما أن الزميل كان عليماً ببواطن أمور السلطتين التنفيذية والتشريعية, وبالتالي فهو يعلم عنهما ما لم نحط به خبراً فقال ما قال عن قصد مقصود. وفي هذه الحالة لا يسعنا إلا أن نقول ''ولا ينبئك مثل خبير''.
ومن ناحية أخرى, إنني إذا كنت لا أرى وجود أي (خلل) في السلطتين التنفيذية والتشريعية وأنهما تمارسان أعمالهما في انسجام وانتظام، إلا أنني من الذين يعتقدون أنه قد حان الوقت لإعادة النظر في الأنظمة الرئيسية (النظام الأساسي للحكم ونظام مجلس الوزراء ونظام مجلس الشورى ونظام المناطق) وتطويرها على نحو يتواكب مع تطور أوضاع المجتمع وبحيث توسع اختصاصات مجلس الشورى ويعطى دوراً أكبر في العملية التشريعية والرقابة على الأموال العامة.