رجال الأعمال في الأوامر الملكية

الحمد والشكر لله ـــ عز وجل ـــ على العودة الميمونة لخادم الحرمين الشريفين معافى سالماً غانماً, وأدعو الله العلي القدير أن يمن عليه بدوام الصحة والعافية وأن يمده بالرأي السديد والتوفيق والعون, وأن يحيطه بالبطانة الصالحة التي تعينه على الخير والصلاح.
وأهنئ الشعب السعودي بالقرارات والأوامر الملكية التي صدرت فور وصوله ـــ حفظه الله ـــ إلى أرض الوطن وصدرت في جمعة الخير. وبقراءتها أجد أن صياغتها تمت بدقة متناهية وضمت ماهية كل قرار في صيغة لا تجعل هناك مجالا للاستفسار أو احتمالا لأكثر من معنى, كما أنها أوضحت في مقدمة وتمهيد كل قرار السبب والمغزى الرامي للقرار, وهو ما يؤكد بوضوح ما عرف وعلم عن الملك عبد الله من وضوح الرؤية والشفافية في الطرح بعيداً عن العبارات الرنانة أو الدبلوماسية الزائفة, لذلك وصلت محبته الصادقة والحقيقية لنا نحن السعوديين بمختلف المناطق والطبقات والقطاعات إلى القلب والضمير، لأنها صدرت من رجل يحمل كل صفات الشجاعة والصدق والإخلاص لدينه ووطنه وشعبه, رجل دولة قل أن تجد مثله في أوقاتنا الراهنة وعبر تاريخ القيادات العربية عبر الأزمنة.
وأكثر ما شدني من القرارات تلك التي تمس الإنسان والمواطن والوطن, قرارات رفع الحد الأدنى للمرتبات للعاملين في القطاع الحكومي إلى ثلاثة آلاف ريال, وإعانة بطالة ألفا ريال شهرياً, وإنشاء 500 ألف وحدة سكنية في مختلف المناطق بتكلفة 250 مليار ريال, وإحداث 60 ألف وظيفة عسكرية في وزارة الداخلية, ورفع الحد الأدنى للقروض العقارية إلى 500 ألف ريال, و16 مليارا لوزارة الصحة في مشاريع محددة، مع رفع الحد الأدنى لتمويل المستشفيات الخاصة إلى 200 مليون ريال, وتوجه بإنشاء هيئة مكافحة الفساد وارتباطها به ـــ حفظه الله ــ ولا تستثني أحداً, واختيار أحد الرجال الشرفاء والمشهود لهم بالنزاهة والاهتمام, وهو ما يؤكد حسن الاختيار للرجل المناسب في المكان المناسب.
وهذا لا يقلل من الأوامر المتعلقة بالأمور الأخرى وأهميتها, لكن ذكر القرارات السابقة لأنها معنية بالحقوق الأساسية للإنسان والمواطن المتعلقة بالحق والأمن والصحة والسكن والوظيفة, ولهذا فإن جميع تلك القرارات سيكون لها إنعاش وأثر في الاقتصاد الوطني واقتصاد الفرد ورخائه يمتد أثرها لأكثر من 50 عاما على أقل تقدير, خاصة إذ ما وضعنا في الاعتبار حقيقة ومغازي ومضامين باقي الأوامر الملكية الكريمة وسابقتها التي صدرت عند وصوله سالماً معافى وأيضاً ما سبقها من إصلاحيات أساسية، منها إصلاح القضاء ضمن مشروعه الكريم لتطوير مرفق القضاء وديوان المظالم وقرارات دعم أجهزة الرقابة والتحقيق وإنشاء جهاز المتابعة في الديوان الملكي.
وتنفيذ الأوامر وفقاً لنصوصها سيكون ضمن برنامج زمني محدد ورفع شهري أو ربع سنوي للتقارير عن تنفيذها, وهو ما يؤكد عزم مليكنا على إصدار القرارات وتنفيذها والتأكيد على حقيقتها وأثرها في رخاء المواطن ورعاية مصالحه.
ولفت نظري بشدة تحقق ما كنت أطالب به في العديد من مقالاتي عن حماية الملكية الفكرية عن دور وزارة التجارة في حماية المستهلك بضرورة زيادة عدد المفتشين وضرورة مراجعة التشريعات والقوانين التجارية لزيادتها لتكون رادعة في نصوصها, تحقق بفضل من الله وبرؤية ثاقبة لأوامر سامية بإحداث 500 وظيفة رقابية لوزارة التجارة لدعم جهودها الرقابية مع التوجيه للوزارة بالمسارعة بكل قوة وحزم في إيقاع الجزاء الرادع على المتلاعبين بالأسعار والتشهير بهم دون تردد كائناً من كان المخالف والتوجيه إلى الوزارة بعدم التراخي أو التساهل في هذا الشأن وعدم السماح به.
أما ما يخص سعودة الوظائف والتوجيه الكريم إلى وزيري التجارة والعمل بالاجتماع برجال الأعمال للتأكيد عليهم بعزم الدولة على المسارعة الفاعلة والجادة في سعودة الوظائف, وأن يقوم القطاع الخاص بواجبه الوطني في هذا الأمر على أكمل وجه, فإني أشيد بالتوجيه الملكي الكريم الذي تجاوز البيروقراطية في سلطات الدولة وقطاعاتها ولجانها وطريقة عملها وأسلوبها الذي يحتاج إلى تغيير فوري وجذري, فيكفي الإشارة إلى السعودة وما صدر عنها من قرارات سابقة, والإشارة تلمس احتياجات المواطنين في كل مجال دون أن تحققه, وهي معلومة للجميع, وحتى مشروعه الجليل لتطوير القضاء لا يزال يراوح مكانه في بدايات خجولة لم ترق إلى رؤيته وطموحه لإصلاح وتطوير السلطة القضائية.
وهكذا أصلح الملك بمفرده خلل السلطة التنفيذية والتشريعية بإصدار هذه الأوامر الملكية التي تجاوزت الجميع ووصلت إلى الوطن والمواطن بأقصر الطرق وأفضلها.
إن مخاطبة رجال الأعمال وليس الغرف التجارية دليل على أن الغرف ومجلسها لم تعد قادرة أو معبرة عن القطاع الخاص وأصبحت جزءا من بيروقراطية العمل السعودي وخرجت عن مسارها الذي وجدت لأجله, فلم تنجح في زرع وغرس ثقافة الانتخابات في أوساط رجال الأعمال, ودليل ذلك ما يحدث في الانتخابات للغرف الصغيرة والمتوسطة والكبيرة خلال العشرين عاما الماضية من إفرازات غربية ومسيئة للمجتمع السعودي, كما أنها فشلت في أن تتطور بالدرجة الكافية واللازمة والضرورية لتطوير ودفع القطاع الخاص نحو شراكة حقيقية مع القطاع الحكومي, ففشلت في إحداث التغييرات المطلوبة وعجزت عن مجاراة القطاع الحكومي, وكذلك لم تنجح الجمعيات المهنية كالاقتصاد والإدارة وحماية المستهلك في مهامها ولم تفلح في معالجة قضايا السعودة والتوطين وحماية المستهلك والإسكان ولم تفلح في صناعة التأمين ولم تحقق معدلات استثمار تعادل وتوازي حجم الإنفاق، فلم تنفذ المشاريع العملاقة ولم تعمر المدن الاقتصادية.
كل هذا يؤكد أن الغرف ومجلس الغرف وغيرها من جمعيات مهنية في حاجة ضرورية وماسة وعاجلة إلى إحداث تغييرات جذرية ومفصلية على نظامها، ومن ثم آليات عملها، لتمثل القطاع الخاص التمثيل الحقيقي ليرقى بأن يكون شريكاً حقيقياً للقطاع الحكومي يتحمل مسؤولية البناء والتنمية التي رسخها اليوم ملكنا وولي أمرنا الذي نجدد له الولاء والبيعة والسمع والطاعة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي