السكن والمساكن.. وجهة نظر (2 من 2)

سبق أن تحدثنا في مقالنا السابق عن خطورة مشكلة الإسكان وتفاقم آثارها المجتمعية، وأوردنا العديد من الإحصائيات الحديثة التي تدعونا وبشكل عاجل إلى بذل المزيد من الجهود وطرح الكثير من الحلول لتفادي أزمة حقيقية تزداد تفاقماً يوما بعد يوم.
لم نكن مبالغين ولا حالمين عندما دعونا في مقالنا السابق إلى فتح المجال السهل والميسر كي يمتلك المواطن منزله الخاص، ليس هذا مستحيلا ويمكننا أن نفعل ذلك، ولكن عندما نأخذ بيده نحو الطريق الميسر له لامتلاك منزله، وسوف نصل وإياه إلى ذلك بحول الله وقوته، وهذا يعني أننا سنقدم حلولا كثيرة ومتنوعة تتناسب مع مختلف الشرائح الوطنية. وإذا كان بناء المساكن والمشاريع الإسكانية مكلفا ومرهقا للهيئة العامة للإسكان أو الجهات ذات الصلة فإننا لا نريد منهما أن تفعلا ذلك، وإن فعلتا فحل جزئي لا يصل إلى جذور المشكلة التي تنتظر ـــ في نظري ـــ إلى حزمة من الحلول المتنوعة تشارك في صياغتها وتنفيذها عدد من الجهات الحكومية المعنية، والأهلية ذات الشأن والصلة، وذلك لقناعتي التامة بأن المشكلة الإسكانية في بلادنا هي مشكلة أفكار وحلول إبداعية متوازنة بعيدة عن الذات والأنانية والمكاسب الشخصية، تحل المشكلة الإسكانية وتوجه المسار الاستثماري نحو المجالات التعاونية والتنافسية ترتقي باقتصاد الوطن وتعزز مكانته الحضارية. وقد كشف تقرير عقاري صدر مؤخراً، أن مشكلة الإسكان في المملكة بحاجة إلى تغيير الأفكار العقارية في البناء لأجل إيجاد منتج مناسب يلبي احتياجات الطبقة الكبرى ذات الحاجة من السكان، وبين تقرير من شركة ''إيه تي كيرني'' المتخصصة في مجال الاستشارات الإدارية أن المنازل ذات التكلفة المنخفضة هي أحد المجالات الجديدة للصناعة العقارية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
فإعادة النظر في النمط السائد لمنازلنا، والاتجاه إلى منازل منخفضة التكاليف، من أهم الخطوات الإصلاحية لهذه المشكلة، حتى تلبي الحاجة وتكون في مقدور الطبقة الوسطى، وعندما تشجع الجهات المعنية هذا الاتجاه المعمول به في كثير من الدول المتقدمة، وتدعمه دعما ماليا كمنحة مالية حكومية غير مستردة بـ 25 في المائة من قيمة المنزل المقيم بسعر (يعاد تقييم هذه القيم بعد فترة زمنية) وكذلك تقيم قرض طويل المدى بمبلغ 500 ألف ريال مع توفير أرض للسكن تمنح له عند البناء في مخطط تابع للدولة فيه كافة الخدمات ومكتمل البنية التحتية. فسوف تتنافس الشركات العقارية المطورة وستقدم ولا شك مشاريع إسكانية تنافسية مبدعة منخفضة التكلفة وتلبي الحاجة. ومثل هذه الأعمال تقوم على مساهمة الأطراف المعنية، الجهات الحكومية والمواطن والشركة المطورة لا شك أنه غير مرهق لأي من هذه الأطراف ومدعاة للاستمرار مستقبلاً ومواكبة الطلب أكثر وأكثر.
إنني أعتقد أن حل هذه المشكلة هو في النظرة الشاملة لكافة الجوانب، والتوازن فيها بين تقديم الحل الجذري بعيد المدى وبين التوجيه الأمثل للاستثمار الوطني.
ومن منطلق المشاركة التي يمليها عليَّ الواجب الوطني أتقدم بهذه الحزمة من الأفكار الإصلاحية من الحلول التي أرى أنها ستسهم ـــ بإذن الله ـــ في حل المشكلة القائمة، وستفتح المجال لكل المخلصين في العمل على بلورتها لتصبح واقعا ملموساً في مجتمعنا، وهي في مجملها نقاط متوازية يجب أن تدرس أكثر وتنطلق جنبا إلى جنب تتولاها وتشرف عليها الجهات المعنية كالهيئة العامة للإسكان وصندوق التنمية العقارية وكافة الجهات الأخرى المعنية، وعلى كل جهة غير قادرة على أن تملك الشجاعة المطلقة بالاعتذار عن المشاركة ولا تشارك دون دافعية لأنها ستعطل تنفيذها وتتلخص المبادرات المقترحة فيما يلي:
أولاً: إشاعة ثقافة الادخار لدى الأسر السعودية لبناء منزلها الخاص، وأهمية ذلك من حيث تعزيز الثقة بالنفس والاستقرار المجتمعي، فقد أثبتت الإحصائيات الحديثة أن ما يقارب 50 في المائة من دخل الأسرة السعودية ينفق على الترفيه.. وتتمثل هذه الركيزة من خلال برامج ثقافية وإعلامية متخصصة تستهدف الشرائح المستهدفة بل وكافة الشرائح الأخرى من خلال المنابر الإعلامية والثقافية والتوجيهية المتنوعة.
ثانياً: فرض زكاة على الأراضي والفراغات العقارية في المدن الرئيسية. إن وجود فراغات عقارية في وسط المدن أسهم بشكل مباشر في ارتفاع أسعار الأراضي. الزكاة ستسهم في تحويل الاستثمار من العقار إلى الخدمات والصناعة وهو ما تحتاج إليه المملكة للتنمية الاقتصادية. إن كثيرا من تجار العقار أو هواميره لا يرضيهم ذلك المقترح بل سوف يقولون إنه سيرفع سعرها أو المستهلك سوف يتحمل سعر الزكاة وتضاف عليه عند البيع، وهذا غير صحيح لأنه سيدفعها سنويا وسوف يضطر للتخلص منها ولن أدخل في جدلية هنا بل أجزم بأنه سيخفض سعرها.
في نظراتنا العلوية للرياض نجد أنها منطقة ذات كثافة سكانية كبيرة ثم إننا نجد أن فيها فراغات كبيرة في وسطها وفي كل مكان هذه الفراغات أحدثها إقطاعيو العقار ـــ وهي مرهقة تنمويا للدولة ـــ وهم يرون أن العقار أفضل استثمار، وإن كان لهم استثمار في الصناعة إلا أن استثمارهم الأكبر في العقار. إن أفضل استثمار في المملكة ـــ حيث لا توجد تكلفة تشغيلية ـــ هو استثمار العقار، وكلنا يعرف المقولة الشهيرة والشائعة لدينا: أن العقار ابن بار فهو لا يأكل ولا يشرب ويمرض ولا يموت، وبعد سنوات من الصبر عليه تتضاعف قيمه، وهذه المقولة ـــ من وجهة نظري ـــ مؤثرة اقتصادياً على بلدنا بل منومة تنمويا لأنها توجه الاستثمارات المالية نحو التجارة العقارية التي تعد الأسهل، وبالتالي تبعد المستثمرين عن الاستثمار في الصناعة والتجارة والخدمات.
إن فرض زكاة على كافة الأراضي البيضاء والفراغات المرهقة تنمويا سيدفع في اتجاه تحويل رأس المال المستثمر في العقار إلى الصناعة والتجارة والإنشاءات والتعمير وهذا يدفع إلى تخفيف العبء على الدولة في البنية التحتية ويساعد على عملية تحويل الأراضي وبنائها بشكل مستمر.
ثالثاً: تتبنى الجهات المعنية بمشكلة الإسكان عقد ورش عمل وتبني الأفكار الإبداعية في حل المشكلة الإسكانية وبلورة خطط واستراتيجيات تخول المواطن من امتلاك سكن مريح وميسر من خلال شقة سكنية جاهزة، أو تساعده على تملك منزل جاهز أو يبنى له بحسب الطلب والحاجة منخفض التكلفة في التشييد والبناء تحقيقا للعدل والإنصاف ودعم وتشجيع التوسع العمراني رأسياً وأفقياً ودعم الاستقرار السكني للمواطنين.
إن أوامر منح أراض سكنية للمواطنين أمر محمود تسعى من خلاله الدولة ـــ أعزها الله ـــ إلى تمكين المواطنين من تملك أراض سكنية يشيدون عليها منزل العمر. ولكني أنادي بإيقاف هذه المنح لماذا؟ لأنه بصريح العبارة لا يحقق هدف الدولة ولا يشجع على بناء المساكن! انظر إلى صفحات الجرائد وستعرف الإجابة، إعلانات بالجملة في كافة صحفنا الورقية والإلكترونية عن طلب شراء أوامر منح سكنية، فهي تشترى قبل التطبيق! ولها تجارة رائجة ورابحة! وبالتالي فهي تزيد في تعميق المشكلة، ولكن يمكن تحقيق هدف الدولة في السكن للمواطنين بطرق أخرى أكثر أمنا وأكثر فعالية وجدوى.
إن صندوق التنمية العقارية مع احترامي وتقديري لفكرة إنشائه وما قام به من مساعدة في حل جزء من مشكلة الإسكان سابقا إلا أنني أرى من الضروري إعادة النظر في سياساته وقيم إقراضه فالوقت والمواطنون الآن اختلفوا تفكيريا وتعليميا وتخطيطيا، كما أن التنمية ووسائلها وطرق البناء اختلفت كذلك.
تعد المملكة من أكبر الدولة مساحة وفيها أراض بيضاء على مد النظر، وهي من الدول الغنية ـــ ولله الحمد ـــ والآن النفط مرتفع وهذه فرصة اقتصادية تنموية مرتقبة وبالتالي حل مشكلة الإسكان تكمن من خلال وجود استفادة من هذه الأراضي البيضاء بحيث تخطط، وتوزيع منح أراض بمساحات جيدة، توزعها على المواطنين المحتاجين الذين لا توجد لديهم مساكن من خلال اللجان للتأكد من ذلك ويقوم المواطن بتشييد المسكن الخاص به عليها ويكون تمويله وفق الآليات السابقة أو غيرها، فتقسيط قيمة هذه الوحدات السكنية ودعمها سيحقق هدف الدولة، كما يجب وضع شروط ومحاذير على تلك المساكن بحيث لا تفرغ للشخص إلا بعد البناء ولا يحق له نقل ملكيتها إلا بعد عدد من السنوات.
وفي هذا السياق وما قبله نقترح بعض النقاط:
1 ــ أن تقوم الأمانات في المناطق والبلديات بتوفير مخططات سكنية مناسبة ومؤهلة ومتوافر فيها كافة الخدمات الإسكانية والخدمية لتتم الاستفادة منها في تشييد مبان بقسميها ـــ المنازل الفردية والمباني متعددة الأدوار ''الشقق السكنية''.
2 ــ حصر الطلبات المقدمة من قبل المواطنين في الحصول على السكن ممن تنطبق عليهم الشروط ليتم توزيع الأراضي عليهم وفق فئة عمرية محددة.
3 ــ معرفة الحاجة الفعلية من كلا النموذجين (السكن المستقل أو الشقق) لكل منطقة في المملكة.
4 ــ تقسم المشاريع على مراحل حسب الإمكانات المالية ومساحات بحسب عدد السكان في كل منطقة.
5 ــ إنشاء شركة عقارية تعاونية يساهم المواطنون في رأسمالها يكون نشاطها التطوير العقاري والإنشاءات يوكل لها تنفيذ تلك المشاريع.
=================
لقد سكنت القلوب وتربعت فيها، فلك الشكر ولك الحب ولك التقدير يا ملك الخير وملك القلوب وملك الشعب، أسأل الله بأسمائه وصفاته أن يشفيك ويعافيك في صحتك ومالك وولدك وشعبك. إنك بحق ملك الإنسانية وملك الإصلاح والخير.. سلمت لنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي