برامج الابتعاث للخارج وقدرتها على خلق الوظائف

شهدت برامج الابتعاث المختلفة في المملكة منذ تولي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود - يحفظه الله - مقاليد الحكم في البلاد في عام 2005، نقلة نوعية غير مسبوقة، عكست رؤيته الثاقبة - حفظه الله - طويلة الأجل، بأهمية الارتقاء بالمنظومة التعليمية في السعودية، ووضعها في مصاف الدول المتقدمة، ولا سيما أن التعليم السليم، يعد الركيزة الأساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وأهم عوامل استدامتها وازدهارها.
من هذا المنطلق والمفهوم التنموي السليم، تم إطلاق برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي في 17/4/1426، لمساندة الجهود الرامية، إلى تطوير منظومة التعليم في المملكة بشكل عام والتعليم العالي بشكل خاص، في القطاعين العام والخاص على حد سواء.
يهدف برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، منذ انطلاقته، إلى تحقيق عدد من الأهداف التنموية والاجتماعية والثقافية، التي يأتي في مقدمتها وعلى رأسها، هدف بناء كوادر سعودية مؤهلة ومحترفة في بيئة العمل. من هذا المنطلق، صيغت رسالة البرنامج Vision بعناية تامة؛ لتعكس ذلك الهدف وتترجمه إلى واقع عملي حقيقي وملموس في سوق العمل السعودية، حيث أكدت الرسالة على تنمية وإعداد الموارد البشرية السعودية وتأهيلها بشكل فاعل كي تصبح منافسا عالميا في سوق العمل ومجالات البحث العلمي، بحيث تشكل رافدا أساسيا في دعم الجامعات السعودية والقطاعين الحكومي والأهلي بالكفاءات المتميزة.
استنادا إلى رسالة البرنامج ورغبة في تحقيق أهداف البرنامج المنشودة، تم تحديد التخصصات وأعداد المبتعثين بناءً على احتياجات الوزارات والمؤسسات الوطنية الأخرى والقطاع الخاص، وبما يتوافق مع سوق العمل واحتياجات المناطق والمحافظات والجامعات والمدن الصناعية.
دون أدنى شك أن سياسة الابتعاث للخارج التي تتبعها الحكومة السعودية، تعد من بين أفضل سياسات الابتعاث على مستوى العالم، وبالذات حين النظر إلى أهدافها التنموية والاجتماعية والثقافية، لكن على الرغم من ذلك، لا يكاد الأمر يخلو من وجود معوقات وصعوبات بما في ذلك تحديات تحول دون تحقيق الأهداف المرجوة من برامج الابتعاث للخارج وفق ما هو مخطط ومرسوم لها، وبالذات فيما يتعلق بتأهيل الكوادر الوطنية لتصبح عنصرا منافسا في سوق العمل المحلية، ما يمكنها من الحصول على وظائف فور التخرج سواء في القطاع العام أم في القطاع الخاص.
لأكون أكثر وضوحا، اتصل بي أحد الخريجين من برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، يشكو لي معاناته ومعاناة زملائه الخريجين في البرنامج نفسه لدى عودتهم إلى أرض الوطن، وبالتحديد معاناتهم المرتبطة بالحصول على وظيفة تتناسب مع تخصصاتهم العلمية، سواء كان ذلك على مستوى القطاع العام أو على مستوى القطاع الخاص، الأمر الذي يؤكد بما لا يقبل الشك أن هناك مشكلة ما تكمن في برامج الابتعاث للخارج، التي لربما ترتبط بتطبيق الآليات المتعلقة بتحقيق أهداف تلك البرامج، أو بمدى قوة مخرجات برامج الابتعاث، التي قد لا تحفز سواء القطاع العام أم القطاع الخاص، على استيعاب الخريجين في الوظائف المتاحة.
أحد الخبراء الأكاديميين يؤكد أن هناك خللا كبيرا غير معروف في عملية تطبيق برامج الابتعاث الخارجي، متسائلا في الوقت نفسه: هل المشكلة في طلابنا أم في عدم متابعة ومراقبة هؤلاء الطلاب؟ حيث من خلال لقائه عددا من الطلاب بغرض تعيينهم، وجد أن غالبية الطلاب الذين تم الالتقاء بهم ضعفاء جدا في اللغة الإنجليزية وفي مجال تخصصاتهم الدراسية، الأمر الذي يعطي انطباعا ومؤشرا سلبيا عن برامج الابتعاث. كما أكد الخبير نفسه أن هناك مشكلة في برامج الابتعاث، تتمثل في كونها لا تنظر إلى حاجة المجتمع من التخصصات، وأن اعتمادها يتم بعيدا عن تلمس الخطط التنموية المستقبلية، وبالتالي قد لا يجد الكثير من المبتعثين فرصا وظيفية مناسبة.
للتغلب على مواطن الضعف والخلل في برامج الابتعاث للخارج، الأمر يتطلب تقوية قنوات الاتصال والتواصل بالطلاب المبتعثين للدراسة في الخارج، من خلال الملحقيات الثقافية، بهدف تلمس احتياجاتهم والتعرف عليها عن قرب، وبالذات على المشكلات والصعوبات، التي يواجهونها سواء على مستوى التحصيل العلمي أم على مستوى التخصص والدراسة والجامعة.
بالنسبة لما يتعلق بمساعدة الطلاب الخريجين على الحصول على وظائف فور تخرجهم في برامج الابتعاث المختلفة، فإن الأمر يتطلب من خلال الملحقيات الموجودة في الخارج، المزيد من التنسيق بين جهات العمل المختلفة التي لديها وظائف متاحة، سواء على مستوى القطاع العام أم على مستوى القطاع الخاص، وبين الطلاب الخريجين، بحيث يمكن من خلال هذا التنسيق الإعلان عن الوظائف المتاحة لدى الملحقيات وإشعار الطلاب الخريجين بها، بالشكل الذي يمكنهم من التعرف عليها والتقدم إليها والالتحاق بها فور تخرجهم. كما أن الأمر لربما يتطلب قيام مندوبين عن أقسام التوظيف في الشركات العاملة في القطاعين العام والخاص بزيارة المبتعثين في الخارج، والشرح لهم عن الوظائف المتاحة، والأسلوب الأمثل للالتحاق بها.
إن تقوية قنوات الاتصال والتواصل بين المبتعثين في الخارج والملحقيات الثقافية، لربما تتطلب التعزيز من قدرات تلك الملحقيات، وبالذات فيما يتعلق بالعنصر البشري، ولا سيما حين النظر إلى تنامي أعداد المبتعثين من عام إلى آخر، وبعد موافقة خادم الحرمين الشريفين على تمديد فترة برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي لمدة خمس سنوات قادمة، اعتبارا من العام المالي 1431/1432، وانضمام عدد لا بأس به من الدارسين في الخارج على حسابهم إلى البرنامج، والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي