المباني سابقة الصنع.. سباق مع الزمن

في نظم العمارة والتشييد هناك العديد من الأنظمة التي لا يستطيع الأفراد, إن بشكل منفرد, أن يتبنوا مثلها، وأن ينفذوا على نمطها, إذ تحتاج إلى مجموعة من الأطر والاتفاقات على نهج ونمط معين من البناء، وعلى كمية من الإنتاج لتصبح في النهاية أسرع وأقل تكلفة وأفضل جودة وأمتن بناء. وهذا النمط من البناء تم تبنيه في السابق, حين أنشئت مشاريع الإسكان في العديد من مدن المملكة, وفي أحد المشاريع كان معدل إنتاج الفيلا الواحدة ثمانية أيام فقط, ما يعني اختصار الزمن والوقت الذي ينفق في متابعة تلك المشروعات الضرورية للأفراد، وتحتاج تلك التقنية إلى بناء مصانع للقوالب السابقة الصنع كي تبنى فيها الحوائط والأسقف، وتوضع فيها كل ما تحتاج من نظم الكهرباء والصرف والتكييف وغيرها بحيث لا تحتاج معها عند التركيب إلا إلى لمسات بسيطة ليكتمل البناء في وقت سريع جدا، ويمكن أن يكون ذلك بشكل جزئي كما حدث في مشروع وقف الملك عبد العزيز, حيث إن جميع دورات المياه كانت تأتي من المصنع مباشرة وفيها جميع القطع الصحية وجاهزة للاستخدام, أو أن تكون بشكل كلي كما يحصل في بعض مشروعات الإسكان. ولعلي أجمل في هذه المقالة بعض النقاط التي يمكن لنا أن نجنيها لو بنيت بعض المشروعات بمثل هذا النمط من البناء السابق الصنع.
• حينما يكون العمران للمساكن بهذا النمط من البناء، فإننا في الحقيقة نكسب زمنا يهدر من جميع طبقات المجتمع، وشاهدت بعض أساتذة الجامعات وهم يضيعون أوقاتا ثمينة من أعمارهم في ملاحقة عمالة بناء ولياسة وغيرها وتهدر أوقات أطباء ومعلمين وغيرهما في ذلك البناء التقليدي الحاصل الآن ولمدة سنوات، فلقد قال لي أحد أساتذة الجامعات إن بناء الفيلا استغرق أربع سنوات من عمره, وهو كل مساء يذهب لينفق ساعات من البحث ليس الأكاديمي، بل العبثي في التفاهم مع عامل بناء لا يقرأ ولا يكتب.
• إن إنشاء المصانع المتخصصة بهذا النمط من العمران في خارج النطاق العمراني للمدن, وهو ما يمكن أن يجعل من سكن العمالة التي تعمل في تلك المصانع بعيدا عن المدن, وعندها نكون قد ضمنا أن تلك العمالة لن تسرح في الأحياء السكنية بحثا عن عمل كما هو مشاهد اليوم من تجول كثير منهم في كل مكان في الأحياء والشوارع والطرقات بحثا عن عمل.
• إن تلك المصانع تتطلب بعض الأعمال المتخصصة التي تتطلب مهارة معينة قد تشجع الشباب على التخصص في هذا العمل المهني, إذ إن البناء بمثل هذه التقنية يحتاج إلى تدريب وإتقان, وربما تعقد ورش عمل وتحالفات مع مؤسسة التعليم الفني والمهني حتى تخرج أفرادا للعمل في مثل تلك المهن وبأجور مرتفعة.
• إن الهيئة العامة للإسكان ليست معنية فقط بإنشاء المساكن, لكن ـــ في نظري ـــ يمكن لها أن تحدث نقلة نوعية في نمط هذه المساكن، وأن تستثمر في تلك النظم, فيمكن لهيئة الإسكان اليوم أن تعمل على وضع نظم ومنهجية لبناء تلك المصانع خارج النطاق العمراني، وتكون استثماراتها عائدة إليها, إذ إن هذا المصنع حينما يدار بأيد سعودية شابة متدربة فإنها ستغطي احتياجات متعددة في أماكن كثيرة, وبهذا نكون قد حققنا الكثير من الفوائد.
• إن مثل هذا النمط من البناء سيضمن لنا الجودة في كثير من العناصر المعمارية كالأبواب والنوافذ والسلالم وغيرها, إذ هي بأطوال وقياسات محددة, ما يجعلها تصب في التقييس الذي يساعد على ضمان الجودة وسرعة التنفيذ يسهم في إنشاء مصانع محددة لهذه العناصر بدل أن يملأ المدن بورش صناعية رديئة وبعمالة تسرح وتمرح بحثا عن باب وشباك.
ومع حزمة الحوافز التي قدمها خادم الحرمين الشريفين ـــ حفظه الله ـــ خلال الأسابيع الماضية ودعم قطاع الإسكان بشكل كبير تظهر الحاجة إلى تبني نظم بناء سريعة حتى تحقق الهدف الذي تريده القيادة من تلك الحوافز, إذ بعد أن اختصر الزمن في تلك القرارات لا بد للهندسة أن تختصر الوقت لتحقيق ذلك المطلب الذي يحتاج إليه كل فرد من أبناء هذا الوطن الغالي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي