جهود سعودية للارتقاء بخدمات الرعاية الصحية المنزلية
إدراكا لأهمية الرعاية الصحية المنزلية، اعتمدت وزارة الصحة في السعودية، ضمن خدماتها وبرامجها الصحية المختلفة، التي تقدم للمواطنين في المملكة، برنامجا للرعاية الصحية المنزلية، أو ما يسمى بالطب المنزلي، الذي يهدف إلى تقديم الرعاية والخدمات الصحية للمرضى المحتاجين داخل منازلهم دون الحاجة إلى نقلهم أو إلى مكوثهم في المستشفيات العامة لفترات طويلة.
من بين أبرز أهداف برنامج الرعاية الصحية المنزلية بالنسبة للجانب الاقتصادي، تقليل التكلفة المرتبطة بتقديم خدمات الرعاية الصحية في المستشفيات، وبالذات بالنسبة للحالات المرضية المزمنة، التي يتم بمقتضاها شغل أسرة المستشفيات العامة، دون مبرر طبي أو صحي مقبول، ولا سيما أن خدمة الرعاية الصحية ـــ كما أسلفت ـــ من الممكن أن تقدم للمريض المحتاج إليها في منزله، بمستوى الجودة والنوعية نفسيهما اللتين تقدمان له في المستشفى.
من بين أهداف برنامج الرعاية الصحية المنزلية كذلك، التسريع في عملية شفاء المريض ـــ بعد مشيئة الله سبحانه وتعالي ـــ لكون بقاء المريض في المنزل، وتلقيه العلاج والرعاية الصحية داخل البيت، يشعره بالطمأنينة ويحسسه بالراحة والأمان بين ذويه وأهله، مما يعجل من عملية شفائه، كما أن بقاء المريض في المنزل وتلقيه العلاج اللازم، يخفف من العبء الذي عادة ما يتحمله أهل المريض وأسرته من جراء دخول مريضهم إلى المستشفي ومكوثه فيها مدة طويلة جداً.
إن التطبيق الأمثل لبرنامج الرعاية الصحية المنزلية، يساعد أيضاً على إدارة الموارد الصحية، بالشكل الاقتصادي السليم، لكونه يحافظ على إنتاجية تلك الموارد وعلى فاعلية أدائها، ولا سيما أن البرنامج يساعد على سرعة تدوير الأسرة في المستشفيات، مما يمكن أكبر عدد ممكن من المواطنين من الاستفادة من تلك الأسرة في حالة الحاجة إليها ـــ لا قدر الله.
جدير بالذكر أنه على الرغم من أن برنامج الرعاية الصحية المنزلية في المملكة، لا يزال يعيش حالة مخاض، إلا أن خدمات وزارة الصحة في مجال الرعاية الصحية المنزلية في السعودية، تمكنت من أن تطول أكثر من 5800 مريض في أكثر من 80 مستشفى في مناطق متفرقة ومتعددة من السعودية، كما عدد المرضى المؤهلين للاستفادة من خدمات الرعاية الصحية المنزلية في المملكة، ارتفع من نحو 48 ألفا، إلى أكثر من 300 ألف مستفيد خلال السنوات القليلة الماضية، ويتوقع خبراء الصحة أن تشهد المملكة زيادة ملحوظة في أعداد المرضى المؤهلين للاستفادة من برنامج الرعاية الصحية المنزلية خلال السنوات القليلة المقبلة، نتيجة للزيادة المطردة، التي تشهدها أعداد المسنين في المملكة، إذا تشير الإحصائيات إلى أن من تتجاوز أعمارهم 65 عاماً سيتضاعف عددهم خلال الفترة 2005 ـــ 2030 من 6 إلى 12 في المائة.
بالنسبة لمساهمة مؤسسات المجتمع المدني في المملكة، في مجال تطوير خدمات الرعاية الصحية المنزلية، فإن المؤسسة الخيرية الوطنية للرعاية الصحية المنزلية في المنطقة الغربية، تعد من بين المؤسسات الخيرية على مستوى المملكة، التي تولى اهتماماً كبيراً ورعاية خاصة لخدمات الرعاية الصحية المنزلية.
جدير بالذكر أن المؤسسة الخيرية الوطنية للرعاية المنزلية في المنطقة الغربية ـــ تأسست في أيلول (سبتمبر) من عام 1997 ـــ برئاسة الأميرة عادلة بنت عبد الله بن عبد العزيز، لتعنى ضمن إطار تكافلي إنساني واجتماعي بتقديم خدمات الرعاية الصحية المنزلية من خلال خلق شراكات مع المؤسسات العامة ومؤسسات المجتمع المدني الأخرى، حيث تهدف المؤسسة إلى تقديم رعاية صحية منزلية متطورة بالاشتراك مع المستشفيات العامة للاستفادة المثلى من أسرة المستشفيات العامة وتوسيع الطاقة الاستيعابية للمستشفيات.
من بين الأعمال الجليلة العديدة، التي قامت المؤسسة المذكورة بتنفيذها في مجال الرعاية الصحية المنزلية خلال السنوات الماضية، تلبية احتياجات المرضى النفسية والاجتماعية ودعمهم بالمعدات الطبية والمستلزمات المستهلكة، بما في ذلك تعزيز القدرات الوظيفية والاستقلالية لهم، إضافة إلى نشر الوعي بتفعيل دور أسر المرضى في تقديم رعاية صحية لمرضاهم وتحويلهم إلى عناصر تدعم جهود الدولة في المجال الصحي.
جدير بالذكر أن المؤسسة قامت أخيراً، بتنظيم مؤتمرها الطبي الاجتماعي الثاني خلال الفترة 11 إلى 12 من كانون الثاني (يناير) من العام الجاري في محافظة جدة، تحت عنوان (شراكة صحية وإنسانية .. ثقافة التميز)، برعاية معالي الدكتور عبد الله عبد العزيز الربيعة، وزير الصحة، الذي سلط الضوء على مناقشة ستة محاور رئيسة، تركزت جميعها حول كيفية الارتقاء بأداء خدمات الرعاية الصحية المنزلية في المملكة، بحضور جمع غفير من الباحثين والمختصين والمهتمين بالأمر على المستويين المحلي والدولي، الذين تجاوز عددهم 500 شخص.
خلاصة القول، إن خدمات الرعاية الصحية المنزلية، تشهد تطوراً وقفزة نوعية غير مسبوقة في السعودية، باعتمادها من بين برامج وزارة الصحة الأساسية والرئيسة، إضافة إلى أن هناك توجها ملحوظا وملموسا لخلق شراكات وتحالفات استراتيجية بين مؤسسات وأجهزة القطاع الحكومي من جهة، وبين مؤسسات المجتمع المدني من جهة أخرى، ولكن سيظل تطور هذا النوع من الخدمات أمراً مرهوناً بتضافر جهود جميع فئات المجتمع دون استثناء، ولا سيما في ظل الطلب المتنامي عليها من عام إلى آخر.
إن تطوير مستوى أداء الخدمات الصحية المنزلية، يستلزم نشر الوعي بأهميتها بين أفراد المجتمع، إضافة إلى تبنى تطبيق خطة أو استراتيجية وطنية على مستوى المملكة، تحدد الإطار العام للخدمة والآليات والكوادر المطلوبة لتنفيذها بما في ذلك الموارد المالية اللازمة، بحيث نكفل تحقيق مستوى عال من خدمات الرعاية الصحية المنزلية، ينافس الخدمات الصحية التي تقدمها المستشفيات العامة والخاصة كماً ونوعاً، الأمر الذي سيحفز المريض على الحصول عليها في المنزل دون الحاجة إلى تحمل المشقة والعناء والتعب والجهد، نتيجة لبقائه فترات طويلة في المستشفيات وبالذات بالنسبة لبعض الأمراض أو لبعض الإصابات، والله من وراء القصد.