حين توصد الباب بهدوء
في علم سلوك الحيوان تقوم أنثى طائر الكاردينال بنقر الذكر الذي يتودد إليها وتقاومه ولا تسمح له بالاقتراب منها إلا بعد جهد جهيد، لكن الرباط الذي يجمعهما بعد ذلك يدوم مواسم عديدة، مما حدا بعالم السلوك البشري آموتزا زاهافي الاعتقاد بأن بعض الخلافات التي تبدو غامضة وغير مبررة الأسباب بين الأزواج والمتحابين ما هي إلا آلية غامضة بين الشريكين يختبر فيها الفرد لدى قيامه باستفزاز الطرف الآخر مدى رغبة هذا الأخير في الاستمرار بما يترتب عليه من مسؤوليات في مواجهة الصعاب في المستقبل.
يبدو أن توأمة الروح هي علاقة ذات مشاعر عميقة لا يمكن إنضاجها بسرعة، فهي تنمو تدريجيا من خلال مواجهة التحديات والأزمات اليومية، والزمن هو الذي يجعلها تتطور على نار هادئة، ولذلك فنحن لا نعثر على توأم الروح بل نتعهده بالرعاية كي ينمو، وإذا كان الحب هو من أول نظرة كما يقولون، فإن توأمة الروح يمكن تشبيهها بالحب من آخر نظرة، وعندما يتحدث البعض عن توائمهم الروحية فلا نحتاج إلى سؤالهم عما يعنون بذلك، بل يمكننا الشعور بتلك الصلة العميقة ذات الحميمية العفوية بين الأزواج والأصدقاء والأخوة التي تتجاوز حدود الجنس والثقافة والعمر لتجمع بين النفوس برباط بالغ الخصوصية لدرجة لا يؤثر فيها الزمان والمكان، ومع جمال تلك العلاقة لكن المرء لا يستطيع أن يرغب بمحض إرادته في صناعة توأم روحه مثلما هو في الأمر في تكوين العلاقات الاجتماعية أو زمالة العمل، ولا يملك سوى وضع نفسه في الموضع المناسب، بأن يكون مفعما بالعواطف الداخلية الصادقة نحو الآخرين، فحينها سوف ينجذب له توأم روحه، وحين يحاول الأشخاص الفارغون داخليا من تلك العواطف البحث عن توأم الروح فلن يجدوا سوى ذواتهم التي مهما أتقنت ارتداء قناعها العاطفي التنكري المهتم بالآخر فستظل نرجسية الاهتمامات في أعماقها، وقد يتوصل أشخاص من هذا النوع لشغل مناصب مهمة أو جني ثروات طائلة ويتزوجون وينجبون ومع كل ذلك فهم يشعرون داخليا بالوحدة ويصبحون سببا في عدوى من حولهم بالشعور بتلك الوحدة ، فمن النادر أن تسنح الفرصة حتى لأكثرنا عاطفية أن يجد توأم روحه أكثر من مرة، فكم هو جميل أن يقدر من يمتلكون تلك الهبة الموجودة بين أيديهم قبل أن يفتقدوا بإهمالهم ذلك التوأم ويبدأون آنذاك رحلة طويلة في محاولة العثور على بديل، ولكن للأسف نادرا ما يوجد بديل لتوأم الروح، ولهذا فالنفس المحظوظة حين تجد توأمها توصد الباب عليهما بهدوء.