الهجرة غير الشرعية والعلاقات الهندية - البنجلادشية

أدى قتل قوة أمن الحدود الهندية مراهقة بنجلادشية، بينما كانت تحاول عبور حدود البلدين في السابع من كانون الثاني (يناير) إلى بعض الغضب الذي يمكن تفهم دوافعه في بنجلادش. وكانت تلك الشابة تحاول التسلل عبر هذه الحدود الفضفاضة بمساعدة من جانب أحد الجواسيس الأدلاء، حيث دفع له والدها المال مقابل تهريبها عبر الحدود.
سيستغل السياسيون الانتهازيون داخل بنجلادش الذين لا يبالون كثيرا بأي عهد قطعوه على أنفسهم، مأساة هذه الشابة الصغيرة لمهاجمة نظام حكم الشيخة حسينة واجد الذي يميل إلى علاقات حسنة مع الهند. وبالنسبة إلى الهند، فإن مثل هذا الحادث المحزن لم يكن ليأتي في وقت أسوأ من الوقت الراهن؛ إذ إن رئيس وزراء الهند، مانموهان سنج، يخطط للقيام بزيارة إلى بنجلادش.
إذا وضعنا المشكلات الدبلوماسية الناجمة عن هذه المأساة جانبا، فإن مقتل هذه الشابة يشير إلى مشكلة أوسع نطاقا على صعيد العلاقات بين هذين البلدين. وظلت الهند، طوال أكثر من عقدين من الزمن، تشكو من موجات من الهجرة غير الشرعية من بنجلادش. ومع ذلك، فإن الاقتصاد الهندي استفاد بصورة كبيرة من وجود هذه العمالة الرخيصة القادمة من الدولة المجاورة، حيث عمل القادمون في مجالات تشمل المهام المنزلية، وتمتد إلى كثير من أوجه العمالة الطارئة. وكانت هنالك مناسبات عدة لإثارة المخاوف من الأجانب في وجه هؤلاء العمال الذين لا دفاع لديهم. وحاولت حكومات هندية عدة تهدئة المشاعر المحلية المعادية، حيث قامت ببعض حملات ترحيل العمال، كما قدمت بعض المزايا لفئات قليلة الثروة في البلاد. غير أن الحكومات المتعاقبة لم تبذل جهدا كفيلا بمعالجة المشكلة من أساسها.
أما على الجانب الآخر، فيواصل المسؤولون في بنجلادش نفيهم التام لوجود قضية تتعلق بالهجرة غير الشرعية، على الرغم من استمرار شكاواهم من جارتهم العملاقة حول أمور تتعلق بتقاسم مياه الأنهار، وحرية الوصول إلى الأسواق، إضافة إلى نزاعات بسيطة ذات علاقة بمناطق حدودية. وعملت أنظم حكم متعددة في نيودلهي على إثارة مسألة الهجرة غير الشرعية مع مسؤولين في دكّا. غير أن تقدما بسيطا حدث على هذا الصعيد في بعض الأحيان، كما لم يحدث أي تقدم في أحيان أخرى. وبالتالي فإن الجبهة الدبلوماسية لم تشهد أي حركة إيجابية باتجاه حل هذه المشكلة بين الطرفين، على الرغم مما تسببه من ضغوط في علاقاتهما المتبادلة.
نجد في الوقت ذاته أن مسؤولين هنودا، ولا سيما في ولاية غرب البنجال التي يديرها حزب شيوعي، وتحاذي بنجلادش، يتعاونون مع الجهات التي ترعى مثل هذه الهجرة غير الشرعية. وبالنسبة إليهم، فإن التعاون مع هؤلاء الفقراء المحرومين الذين يحاولون تحسين مستواهم المادي، يعطيهم بعض المكاسب الانتخابية. وعلى ذلك، كانت هنالك تقارير عدة نشرت على نطاق واسع بأن هؤلاء المسؤولين يحاولون منح هؤلاء المهاجرين بطاقات تموينية يستطيعون بموجبها الحصول على بعض الأغذية بأسعار مدعومة، وبحيث يستفيدون من النظام الوطني لتوزيع الأغذية في الولاية. وبمجرد الحصول على بطاقة التموين هذه، يمكن للمهاجر أن يحصل على بطاقة انتخابية، ويصبح وضعه بعد ذلك قانونيا.
نتيجة لمثل هذه الصفقات بين المسؤولين في الولايات الحدودية الهندية، وهؤلاء الفقراء المهاجرين، فقد شهدت التركيبة السكانية لتلك الولايات تغيرات مستمرة بمرور السنوات. ويمكن لمثل هذه التحولات على الصعيد السكاني أن تكون سببا للانفجار من حيث زيادة الاحتكاك بين المسلمين، والهندوس؛ إذ إن معظم مواطني بنجلادش من المسلمين.
إن هذه الأمور ليست مجرد افتراضات؛ إذ شهدت قرية نيل في ولاية أسام الهندية في شمال شرق البلاد، مذبحة تعرض لها نحو ألفين من المهاجرين غير الشرعيين القادمين من بنجلادش، وذلك في عام 1983، حين كانت الولاية تشهد إحدى الحملات الانتخابية. وبعد ذلك، زادت الهند من قدراتها على الحيلولة دون مثل هذه الحوادث المأساوية، ولكن لا يمكن لأحد أن يأخذ ذلك على أساس أنه من الأمور المسلّم بها. وهذا يعني أن جيوب المهاجرين في الهند تظل عرضة لهجمات محتملة يمكن أن تكون لها عواقب وخيمة.
طالما بقي الوضع الاقتصادي الضعيف في بنجلادش كما هو، فإن أعدادا متزايدة من المواطنين ستخاطر بحياتها وتعبر الحدود مع الهند في سعيها إلى تحقيق مستويات معيشية أفضل. ونظرا لقلة الأراضي في بنجلادش، وزيادة حدة هذه المشكلة بسبب الآثار السلبية الناجمة عن التغير المناخي في العالم، فإن النتيجة المحتملة هي زيادة مشاكل حركة السكان. وفي الوقت ذاته، فإنه في ظل النمو الكبير المستمر للاقتصاد الهندي، فإن الطلب على العمالة الرخيصة سيزداد. وبالتالي، فإن حدة مشكلة الهجرة غير الشرعية هذه لن تتراجع خلال فترة زمنية قريبة.
إن الطريق المسدود في الوقت الراهن ناتج من موقفي الحكومتين المتشدد؛ إذ نجد أن حكومة بنجلادش تنكر تماما وجود مشكلة تتعلق بأعداد كبيرة من السكان الذين يحاولون الانتقال إلى الهند بوسائل تبعث على الريبة. ونجد في الجانب الآخر أن استجابة الحكومة الهندية تبعث على اليأس. وقد حاولت حكومة الهند تثبيت سياج فصل على حدودها مع جارتها التي يبلغ طولها ألفي كيلومتر، كما أنها نشرت قوة أمن الحدود بأعداد كبيرة، في محاولة منها للحد من تدفق أعداد المهاجرين. غير أن الهند ليس لديها برنامج منظم لتوثيق أعداد العمال الطارئين، كما هي الحال في الولايات المتحدة، ودول أوروبا الغربية. ونتيجة لكل ذلك يعلق العمال المهاجرون غير الشرعيين في عالم يتصف بضآلة الحقوق. وهم بالتالي يسعون إلى طرق أي باب من أجل جعل أوضاعهم في المهجر شرعية.
إذا لم ينظر إلى قتل هذه الفتاة الضعيفة عند حاجز سلك حدودي، كمجرد رقم إحصائي، فقد حان الوقت للحكومتين لكي تعملا على معالجة هذه القضية على نحو عملي، وخلاّق في الوقت ذاته. ولا تستطيع بنجلادش أن ترفض الاعتراف بدورها في ذلك، كما لا يمكن للهند أن تستمر في ممارسة سياساتها الحالية. ولا بد لهما، بالتالي، من الدخول في محادثات حكيمة حول التوصل إلى أفضل صفقة متعلقة بهذه القضية.
قد تكون إحدى وسائل ذلك منح أوراق رسمية للذين يريدون الهجرة من بنغلاديش تكون صالحة لفترة زمنية محددة. وهنالك نماذج مماثلة لذلك في أجزاء كثيرة من العالم، وبالتالي فإن بإمكان حكومتي البلدين إيجاد وسائل الاتفاق على مثل هذا الترتيب، حيث يفترض أن يعمل على معالجة المخاوف ذات العلاقة بالهجرة. وإذا لم يتم التوصل إلى مثل هذه الاتفاقية، فإن الحادث المأساوي الذي تمثل بمقتل تلك الشابة المسكينة على حدود البلدين لن يكون الأخير من نوعه.

خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: opinionAsia

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي