إنت مع مين؟
عندما تقع الحوادث يجد الإنسان نفسه في موقف يجب أن يتخذ فيه قرارا واضحا من تلك الحوادث، ومهما حاول أن يبعد نفسه عنها أو أن يتوارى عن الأنظار فإن ضميره وقلبه سيبقى يلاحقه طمعاً في أن يعرف موقفه من تلك الحوادث، فضلا عن متابعة جهات أخرى له ومحاصرته بالأسئلة رغبة في معرفة موقفه، وبغض النظر عن طبيعة تلك الحوادث وموقف الإنسان منها فإن المجتمع يحرص دائماً على أن يعرف ردود أفعال مختلف المنظمات وأصحاب الرأي، وعادة ما تنقسم تلك الردود إلى ثلاثة مواقف خلاصتها أن هناك من يؤيد وهناك من يعارض وهناك من يعتقد أن الأمر شأن خاص لاعلاقة له به ولا يفضل أن يبدي رأيه فيه ومن حق هذا الأخير أن يبقى محايداً في رأيه بشرط أن يبقى على الموقف نفسه بعد انتهاء تلك الحوادث وأن لا يغير رأيه عندما يشاهد الكفة تميل إلى طرف دون آخر وإلا فهو بذلك سيخسر قيمته وقيمة رأيه ومكانته في المجتمع.
لقد لمسنا أخيراً أن مواقف البعض في كثير من الحوادث مذبذبة وغير واضحة ومتقلبة فهي في الصباح برأي وإذا ما حل المساء برأي آخر، وهي في بداية الحوادث بهيئة معينة وفي وسط الأحداث بهيئة أخرى وفي نهايتها تظهر بشكل مختلف تماماً عن الشكل الذي ظهرت فيه في البداية، كما أن مواقف البعض قد ظهرت في مظهر يسوده القلق والاضطراب والمراوغة والتلون فكانت مواقفهم تختلف باختلاف سير الأحداث وباختلاف ما تسمع وترى من مواقف أخرى ومن قبل جهات مختلفة، وباختلاف ما تلمس من ردة فعل من قبل الآخرين وباختلاف ما تلمس من ميل لكفة ميزان القوى في الميدان.
بعض الناس في مجتمعنا اليوم فقدوا شخصيتهم وفقدوا القدرة على إبداء الرأي إذ أصبحت مصالحهم تسيرهم وتتحكم في مواقفهم فأصبحوا يقفون من الحوادث موقفاً يثير الاشمئزاز ولا يستطيعون أن يحسموا أمرهم ولا أن يعلنوا موقفهم وكأنهم أصيبوا بإعاقة في بعض حواسهم لاتخاذ قرار على الرغم من قدرتهم على أن يظهروا مواقفهم ويعلنوا رفضهم أو تأييدهم لما حولهم، وعلى الرغم من وجود بعض الظروف الخاصة للبعض التي قد تؤدي إلى عدم إبداء الرأي في موضوع ما، إما لعدم اكتمال المعلومات المرتبطة بذلك الموضوع أو لوجود بيانات متعارضة أو أدلة متناقضة إلا أن بعض القضايا تكون شواهدها بينة وأدلتها مكتملة بل والاعتراف معلن من قبل كافة الأطراف المرتبطة بالقضية عن موقفهم الرسمي منها ومع ذلك يأبى البعض أن يتخذ موقفاً منها.
إن فقد إمكانية اتخاذ القرار من بعض أصحاب الرأي والفكر والقرار أمر غير مقبول والأسوأ أن البعض يربط رأيه بما سيقرره غيره فيفقد بذلك هويته ويصبح إمعة ينتظر ما يقرره الآخرون ليؤيدهم ويتبع ما يقولون ومثل أولئك يعتبرون عالة على المجتمع بل هم غثاء ولا قيمة لهم فيه، كما أن بعض استطلاعات الرأي للأسف أسهمت في تنمية هذه الفئة من خلال حرصها على وضع اختيار يشير إلى الحياد من خلال كلمة (لا أعرف) أي أنه ليس مع هذا الموضوع أو ضده والبعض يضع لنفسه طريقا للعودة فهو قد يؤيد أو يعارض ويتبع ذلك الأمر بكلمة (لكن) وهذه الكلمة تتيح له العودة عن رأيه في حال كان رأيه غير صحيح.
وليست المشكلة في أن تتخذ قراراً معيناً أو تميل إلى رأي دون آخر فلكل فرد الحرية في أن يتخذ ما يراه مناسباً من وجهة نظره، كما أن القضية لا تنحصر في أن يكون موقفك مع طرف ضد طرف آخر فإما مع أو ضد، ولكن المشكلة في أن تبقى بدون رأي وبلا رؤية أو أن تكون متذبذباً ومتقلباً في آرائك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء, فأنت بذلك تصبح بلا شخصية ولا هوية.