Author

التفتيت قادم.. حرب استخبارات تقودها إسرائيل وبعض الأجهزة الغربية

|
جرى الاستفتاء على حق تقرير مصير جنوب السودان في التاسع من كانون الثاني (يناير) الحالي، وكان جون كيري مرشح الرئاسة الأمريكية السابق ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، حاضرا ومراقبا للاستفتاء، كما أن الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر كان حاضرا. هذا الاهتمام الأمريكي يعكس أن المخطط في تقسيم المنطقة العربية لسايكس بيكو جديدة، مخطط قائم وينفذ بهدوء، والمنطقة الجنوبية يراهن فيها على النفط، كما أن إسرائيل اعترفت أنها منذ عقود تعمل على تقسيم السودان. وقد أعلنت حكومة جنوب السودان أنها ستقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، يذكرنا بأسياس أفورقي عندما استقلت إرتيريا وانفصلت عن إثيوبيا وبدعم عربي، تنكر للعرب الذين دعموا إرتيريا. وكانت أول زيارة يقوم بها أفورقي بعد استقلال إرتيريا عام 1993 إلى إسرائيل. ونشير أيضا إلى عدد كانون الثاني (يناير) 2011، مجلة الشؤون الخارجية الأمريكية التي طرحت فيها خطة لتقسيم أفغانستان. وقد لا يقف الأمر على الجنوب، فهناك مخطط للالتفات نحو دارفور التي قد تتبع مصير جنوب السودان، وقد تأتي بعد ذلك كردفان. وليس هناك من عربي ومسلم يرضى أن يفتت السودان، ولكن هذا ما يدور في كواليس السياسة الغربية وحتى الشرقية منها. ونلاحظ أن العراق رغم ما يتردد عن تشكيل حكومة جديدة فيه، إلا أنه مقسم على أرض الواقع. إن جوزيف بايدن نائب الرئيس الأمريكي الحالي وقبل أن يصل إلى منصبه، وعندما كان في مجلس الشيوخ دعا إلى تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات الشمال الكردي والجنوب الشيعي والثالثة السنة. ونشرت خطته بعنوان العرق مقسما Iraq Divided. وتشير التقارير الصحافية الغربية إلى أن كردستان العراق تعد الآن مسرحا للموساد الإسرائيلي، وكما ذكر الصحافي الأمريكي وين مادسن على موقعه الذي يحمل الاسم نفسه، أن هناك مخططا لنقل اليهود الأكراد من إسرائيل إلى مدينة الموصل ومحافظة نينوى في شمال العراق تحت ستار زيارة المزارات اليهودية القديمة التي تروج لها إسرائيل زورا وبهتانا. ويتردد أن اليهود يشترون أراضي هناك، وحتى أن ما يجري للمسيحيين في العراق تخطط له إسرائيل بقيام موسادها من أجل تهجير المسيحيين، وليحل اليهود بدلا منهم، وحتى تحشد الدول الغربية في جبهة ضد العالمين العربي والإسلامي تحت شعار حماية مسيحيي الشرق. وما حدث للكنائس في العراق ومصر لا يخرج عن مخطط إسرائيلي، يقوم به جهاز الموساد من أجل خلق صراع بين العالم الإسلامي والغرب. وإذا نظرنا إلى اليمن ولبنان والمغرب العربي، فالمتابع لما يجري يرى أن هناك مخططا ينفذ على غرار كل من العراق والسودان، وتحت شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان، كما أن الصومال ليس بأحسن الأحوال، فليس هناك دولة مركزية سوى أنها دولة صورية تتلاعب الأطراف الدولية بها لتجعلها دول قبلية متعددة الكانتونات، وليس دولة واحدة، في منطقة استراتيجية مهمة مثل القرن الإفريقي وتتحكم في المرور من باب المندب وما يحدث فيها يؤثر في الجزيرة العربية. ولا يمكن أن تكون قرصنة السفن في سواحل القرن الإفريقي تسير على هذا النحو دون أن تكون هناك أطرافا دولية تدفعها لتحقيق أغراض سياسية من ذلك. فكيف لدولة فاشلة مثل الصومال أن تتوافر لفئة فيها أجهزة متطورة لخطف السفن التجارية وتطالب بفدية؟! إنها لعبة القرصنة الدولية، تكون خلفها دوافع السيطرة على القرن الإفريقي من قبل الدول الكبرى. ولا يقتصر مخطط التقسيم والتفتيت على المنطقة العربية، بل يمتد إلى أفغانستان وباكستان، ففي العدد الجديد لمجلة الشؤون الخارجية الأمريكية Foreign affairs كتب نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق (2003 ــ 2004) والذي كان سفيرا لإدارة بوش الابن في الهند قبل مجلس الأمن القومي، السفير روبرت بلاكويل، عن خطة تقسيم أفغانستان سماها "الخطة B لأفغانستان"، وحيث إن الانتصار فيها أصبح مستحيلا على مقاتلي طالبان، يطرح بلاكويل أن تبقى سيطرة طالبان على مناطق الباشتون ومركزها قندها في الجنوب والشرق الأفغاني، وتبقى واشنطن مع حلفائها في الشمال والوسط والغرب، حيث الطاجيك والهازارا والأوزبك. وهذا التقسيم طرح على أساس قبلي، حتى تبقى الصراعات القبلية مستمرة تحقق استمرار الوجود الغربي في المنطقة، وحتى باكستان مهددة أيضا بالتقسيم منذ عدة سنوات لإضعافها. وتبقى الهند القوة الرئيسة في المنطقة، جنوب آسيا، لتحقق توازن القوى مع الصين في شرق وجنوب آسيا. وتحاول الدول الغربية وحتى الشرقية تفتيت العالمين العربي والإسلامي، وحتى الدول الرئيسة والإقليمية فيه تثار فيها النعرات الطائفية والعرقية. ويظهر أن الموساد الإسرائيلي أخذ ينشط بقوة حاليا في مناطق عديدة من العالم العربي في ظل شعارات السلام والتطبيع وبجنسيات مختلفة. وما يجري في مناطق المغرب العربي وخاصة في مناطق الأمازيغ يدخل ضمن محاولة إسرائيل إثارة التفرقة بين شعوب المنطقة حتى تبقى إسرائيل قوة إقليمية، وتضعف الأطراف الإقليمية الأخرى. إن الخطة التي نشرت عام 1982 تحت عنوان "استراتيجية إسرائيل في الثمانينيات" ركزت على تقسيم المنطقة العربية، ويجري التخطيط لذلك وتنفيذه، كما أشرنا عن العراق والسودان، وتعزيز نفوذ إسرائيل في الدول الإفريقية ودول آسيا الوسطى المحيطة بالدول العربية وأفغانستان وإيران وباكستان. وكان ديفيد بن غوريون قد طرح نظريته في الخمسينيات عندما أكد على أن إسرائيل يجب أن تكون في المعادلة الداخلية في كل الدول العربية وخاصة المجاورة لها. وكان قد تبنى استراتيجية الأطراف بإقامة علاقات مع الدول غير العربية، إيران الشاه وتركيا وإثيوبيا، ولكن مع التحول السياسي في هذه الدول ركزت إسرائيل على عمليات التجسس في المنطقة، ولذلك نلاحظ كيف تم اكتشاف شبكات تجسس إسرائيلية خطيرة في إيران ومصر ولبنان، واغتيال القيادي في حماس المبحوح في دبي من عناصر الاستخبارات الإسرائيلية والتي كما تبين دخلت بجوازات سفر أجنبية. هذا يؤكد أن الحرب الحالية حرب استخبارات تقودها إسرائيل متحالفة مع بعض الأجهزة الغربية، وما يتم من اغتيالات لقيادات سياسية ودينية وحتى التي تحمل الطابع الطائفي تكون خلفها إسرائيل. إن عملية السلام أصبحت في طي النسيان وحتى حل الدولتين أصبح الآن غير مطروح على أرض الواقع مع الاستيطان الإسرائيلي، وكما هي الاستراتيجية الإسرائيلية بنقل المعركة إلى أرض العدو التي أصبحت شبه مستحيلة مع امتلاك الصواريخ البالستية وغيرها من الأسلحة الحديثة، أصبح الاختراق الآن، من خلال حرب استخبارات لتدمير الدول من الداخل بإنهاكها في حروب أهلية داخلية مما يؤدي إلى تفكيكها. وهذا ما يظهر على أرض الواقع من تفتيت المنطقة لخلق واقع سايكس بيكو جديد. تحتاج هذه المرحلة إلى وعي عربي على مستوى الحكومات والشعوب بأن الانقسام الداخلي يخدم طرفا واحدا وهو عدو الأمتين العربية والإسلامية، وعلى رأسها إسرائيل واليمين المتطرف في الغرب، الذي يعلن تحالفه مع إسرائيل علانية. إن ما جرى في السودان تحت شعار حق تقرير المصير وحقوق الإنسان، إنما كلمات رنانة وجذابة يراد بها باطل، فالدول الغربية وإسرائيل تمارس انتهاك حقوق الإنسان، وتتجاهل القرارات الدولية وتقتل الأبرياء، ثم تذرف دموع التماسيح. إن الوعي السياسي لشعوب المنطقة، والتعاون بين الحكومات والشعوب، يمكن أن يؤدي إلى إفشال المخطط الغربي، ولكن هذا يحتاج إلى الثقة والإرادة.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها