أفلح إن استطاع

منذ تولى المهندس عادل فقيه وزارة العمل حرصت على عدم التطرق لمجالات عمل الوزارة، لأنني أدرك أن مهمة وزير العمل مثل مهمة قائد طائرة مثقلة بالحمولة، وتريد أن تقلع في جو عاصف، وهدف قائد الطائرة الإقلاع الآمن مع المحافظة على سلامة الطائرة وركابها، ولهذا تجده أثناء فترة الإقلاع صامتا ينتظر الوصول إلى الأجواء الآمنة لتنفرج أساريره، ويتنفس الصعداء، بل وليغادر مقعده بعد أن يوكل القيادة للطيار الآلي الذي هو في القطاعات الحكومية، يتمثل في الأنظمة والإجراءات التي تضمن السير السليم لما يوضع من خطط.
المهندس عادل فقيه التزم الصمت فترة من الزمن، ثم أدلى بتصريحات وتعليقات كانت محل انتقاد عديد من الكتاب، ومنها حديثه عن زيادة الاستقدام للقضاء على السوق السوداء، ثم جاء ما طرحه في كلمته التي ألقاها في منتدى التنافسية يوم أمس الأول والتي ربما تكون هي المنطلق لسياساته في معالجة أوضاع سوق العمل الذي لا يُعد غريبا عنه.
في كلمته في منتدى التنافسية التي جاءت كورقة عمل تحمل طموحات الوزير، أو على الأقل أمنياته، قال إن هناك حاجة لوجود مرصد كبير لطالبي العمل وعارضي الوظائف لتوضيح حجم الوظائف المرغوبة ومتوسط الرواتب، وقال إن مجموع ما يحصل عليه العامل الوافد من الإعانات المدعومة من الدولة يقدر بخمسة آلاف ريال، مشيرا إلى أن الوزارة تسعى إلى أن يكون هناك ثلاثة ملايين وظيفة في سوق العمل ذات رواتب مرتفعة، وأن يكون الحد الأدنى لراتب السعودي أربعة آلاف ريال. وأشار إلى أن استراتيجية الوزارة تكمن في البحث عن النوعية في التوظيف، موضحاً أنه بدلاً من الضغط على القطاع الخاص لسعودة الوظائف، فإنه يجب توفير حزمة من الحوافز والتشجيع مع ضرورة توفير شرط السعودة والتأمينات، إلا أن الوزير فقيه أشار إلى أنه من المتوقع انخفاض الرواتب في القطاع الخاص في ظل وجود ما يقارب من عشرة ملايين مقيم يعملون في المملكة.
ما ذكره المهندس عادل فقيه عن تحديد الحد الأدنى لرواتب السعوديين بأربعة آلاف ريال، أمر يتطلب جهداً كبيراً، ليس عن طريق طرح حوافز للقطاع الخاص فحسب، بل وعبر القيام بإجراءات تحد من عملية الاستقدام التي وصلت في السنوات الأخيرة إلى معدلات كبيرة، ستحبط أية محاولة لتحقيق توازن ولو نسبي في سوق العمل، وإشارة المهندس فقيه إلى أن وجود ما يقارب من عشرة ملايين مقيم سيؤدي إلى انخفاض الرواتب في القطاع الخاص، وما سبق أن صرح به عن التوسع في الاستقدام لمواجهة السوق السوداء لتجارة التأشيرات يتعارض مع دعوته لرفع تكلفة الأجنبي التي ستكون العامل الأساس في تحقيق ما طرحه من آراء لتوفير فرص العمل للمواطنين.
هناك نقطة مهمة في حديث المهندس فقيه، وهي إشارته إلى أن إحصاءات السعوديين في سوق العمل غير دقيقة، فغياب الإحصاءات الدقيقة وغير المتضاربة، فيما يتعلق بعدد العمالة الأجنبية في المملكة، وكذلك فيما يتعلق بنسبة البطالة، وكذلك عدد السعوديين في سوق العمل، يتطلب توحيد جهود مختلف القطاعات المعنية للوصول إلى نسبة معتمدة يتم الانطلاق منها لمعالجة الوضع، خاصة أن هناك ترابطاً وثيقاً بين البطالة وارتفاع معدلات الاستقدام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي