مشاريعنا وسمك القرش
هناك العديد من المشاريع المتعطلة، التي تعترضها الكثير من العوائق والعقبات، بعضها يتم إيجاد حلول له وبعضها يتعثر ثم ينهض بعد فترة زمنية تطول وتقصر وفق همة ونشاط القائمين على المشروع وبعض تلك المشاريع المتعثرة لا ينهض أبداً فيموت مكانه إما لموت صاحبه أو موت القائمين عليه أو اختفائه فجأة من قائمة المشاريع دون سابق إنذار.
منذ زمن وأنا أؤمن بأن لكل مشكلة حلاً - بإذن الله - وأن المشاكل سواء كانت شخصية أو مرتبطة بالعمل فإن لها حلاً وهناك طريقة لمعالجتها مهما كان حجم تلك المشكلة وقبل أيام وصلتني قصة عن أسلوب معالجة اليابانيين إحدى المشاكل التي واجهتهم بخصوص صيد الأسماك، الذي يعد أحد الأنشطة الرئيسة لهم، كما يعد السمك من الأطعمة الرئيسة لليابانيين وهناك نحو 40 مجلة علمية تنشر أبحاثاً عن الأسماك في اليابان بل هناك جامعات متخصصة في الدراسات السمكية، واليابانيون يصطادون 15 في المائة من الثروة السمكية في العالم ، وتفيد القصة (أنه في فترة من الفترات ظهرت مشكلة أمام الصيادين وهي أن السمك لم يعد يقترب من الشواطئ اليابانية، ولحل هذه المشكلة انتقل الصيد ليكون في عرض البحر والمحيط بعيداً عن السواحل. ومع الزمن كبرت قوارب الصيد وأصبحت تبتعد أكثر عن الشاطئ وهذا أوجد مشكلة جديدة وهي تأخر وصول السمك إلى البر مما يعني أن السمك لن يكون طازجاً، ولحل هذه المشكلة صارت سفن الصيد تحمل معها الثلاجات والمجمِّدات التي يوضع فيها السمك فور اصطياده. وهذا أدى إلى ازدياد حجم السفن وأصبحت تبتعد عن السواحل أكثر فأكثر، وبالتالي زاد زمن بقائها بعيداً عن الشاطئ.
هنا ظهرت المشكلة من جديد وهي أن السمك لم يعد طازجاً! لأنه موضوع في الثلاجات والمجمِّدات، أي صار الناس ينظرون إليه على أنه مجمَّد وليس طازجاً! وعلى هذا الأساس ظهرت مشكلة انخفاض سعر السمك الذي يتم شراؤه على الرغم من تكلفته العالية مما أدى إلى عدم الرغبة في جلب المزيد من السمك إلى السوق! فما الحل لهذه المشكلة؟ قرر الصيادون أن يحملوا معهم في سفن الصيد أحواضاً كبيرة مملوءة بالماء، يضعون فيها السمك، فيبقى حياً إلى أن يصل إلى الشاطئ فيخرجونه للبيع وبعد تطبيق هذا الحل ظهرت المشكلة نفسها من جديد ولكن بشكل آخر فالسمك يصل إلى الشاطئ وهو يشعر بالكسل والخمول! لأن السمك يزدحم في الحوض فلا يتحرك كما كان يتحرك في البحر! وبالتالي فإن طعمه يختلف عن طعم السمك الطازج، ومرة أخرى تم وضع حل جديد، حيث وضعوا فرخاً صغيراً من سمك القرش في الحوض! لماذا؟ حتى لا يتوقف السمك في الحوض عن الحركة هرباً من سمك القرش!
أكرر بأن لكل مشكلة حلاً ــ بإذن الله ــ ولو تم التعامل مع المشاكل التي نواجهها مثل ما تم التعامل مع المشاكل الموضحة في القصة السابقة لأصبح وضعنا أفضل بكثير مما نحن عليه اليوم، المشكلة لدينا أننا نستسلم للمشاكل التي تعترضنا من أول وهلة ولا نحرص على تقديم الحلول وإن قدمنا حلولاً فلا نحرص على دراستها أولاً ولا ننظر للمصلحة من تطبيقها والنتائج المتوقعة منها بل في بعض مشاريعنا لا يكون الحل إحضار سمك قرش صغير لتحريك ما في الحوض بل يأتي سمك قرش كبير ليأكل كل ما في الحوض.
إننا نحتاج إلى أن نعيد النظر في أسلوب تعاملنا مع المشاكل التي نواجهها وألا نهرب منها وأن نحرص على وضعها أمامنا باستمرار والتفكير في الأسلوب المناسب لحلها، فهذه طبيعة الحياة مملوءة بالتحديات والظروف الصعبة ولن يكتب النجاح إلا للعاملين بجد وجهد، ولن نصل إلى تحقيق أهدافنا إلا باعترافنا بمشاكلنا ووضعها أمامنا والتفكير باستمرار في حلول مناسبة لها وتجربتها على أرض الواقع. يذكر المسرحي الشهير شارلي شابلن في مذكراته قصة عن صديق له كان لديه مصنع زاره فيه، فوجده يضع على مكتبه صورة كبيرة في إطار ثمين لرجل تدل هيئته على القسوة والغطرسة! فسأله: هل هذا أبوك؟ فأجابه: إنه صاحب المصنع المنافس لي! وقد بدأت حياتي العملية موظفا عنده فأذاقني المر! وأنا أحتفظ بصورته أمامي لتذكرني أنه إذا تكاسلت فإنني سأعود إلى العمل عنده!