هل تسبب الفقراء في اندلاع الأزمة؟

الجدال الساخن المحتدم الدائر حول الأسباب التي أدت إلى اندلاع الأزمة المالية أثناء الفترة 2007 - 2009 لا يزال يمزق الولايات المتحدة. فهل تتحمل الحكومة المسؤولية عما وقع من أخطاء، وإذا كان الأمر كذلك فبأي معنى؟
في كانون الأول (ديسمبر)، أصدرت الأقلية الجمهورية في لجنة التحقيق في الأزمة المالية سردا معارضا وقائيا http://keithhennessey.com/wp-content/uploads/2010/12/Financial-Crisis-Pr.... ووفقا لهذه المجموعة، فإن السياسات الحكومية الخاطئة التي كانت تهدف إلى زيادة ملكية المنازل بين الفقراء نسبيا تسببت في دفع أعداد أكبر مما ينبغي من الناس إلى الإقبال على قروض الرهن العقاري الثانوي التي لم يكن بوسعهم الحصول عليها من قبل.
والواقع أن هذا السرد قادر على اكتساب قدر عظيم من الدعم، وخاصة في مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون وفي فترة التحضير للانتخابات الرئاسية في عام 2012. ولكن في حين يملك الجمهوريون من أعضاء لجنة التحقيق في الأزمة المالية القدرة على الكتابة ببلاغة، فهل يملكون أي دليل يدعم ادعاءاتهم؟ وهل الفقراء في الولايات المتحدة مسؤولون عن اندلاع الأزمة العالمية الأكثر شدة منذ أكثر من جيل كامل؟
ليس وفقا لرأي دارون أسيموجلو من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (والشخص الذي شاركني في الكتابة في مواضيع أخرى)، الذي قدم نتائج بحثه في الاجتماع السنوي للرابطة المالية في أوائل شهر كانون الثاني (يناير). (ويمكنكم الاطلاع على الشرائح على موقعه التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا http://econ-www.mit.edu/files/6348).
ويحلل أسيموجلو السرد الجمهوري إلى ثلاثة أسئلة متميزة. أولا، هل هناك أدلة تشير إلى استجابة الساسة في الولايات المتحدة لتفضيلات ذوي الدخول المنخفضة من الناخبين أو رغباتهم؟
إن الأدلة فيما يتصل بهذه النقطة ليست قاطعة كما نود، ولكن ما تجمع لدينا - على سبيل المثال من عمل لاري بارتلز من جامعة برينستون - إلى أن كل أهل النخبة السياسية الأمريكية تقريبا توقفوا طيلة الأعوام الـ 50 الماضية عن الاهتمام بمصالح الناخبين من أصحاب الدخول المنخفضة أو المتوسطة. ويبدو أن وجهات نظر أصحاب المناصب انتقلت إلى مكان أقرب كثيرا من أولئك الذين يحتلون عادة قمة توزيع الدخول.
وهناك العديد من النظريات المختلفة حول الأسباب التي أدت إلى هذا التحول. وفي كتابنا ''ثلاثة عشر مصرفيا'' نؤكد أنا وجيمس كواك على مجموعة من الأسباب، منها ارتفاع دور المساهمين في الحملات الانتخابية، والباب الدوار بين ''وال ستريت'' و''واشنطن''، وفي المقام الأول من الأهمية التحول الإيديولوجي في اتجاه وجهة النظر التي تزعم أن التمويل خير، وأن المزيد من التمويل أفضل، وأن التمويل غير المقيد هو الأفضل على الإطلاق. وهناك نتيجة طبيعية ومباشرة لكل ذلك: ألا وهي أن أصوات ومصالح الفقراء نسبيا لا تشكل أهمية كبيرة في السياسة الأمريكية.
والواقع أن تقييم أسيموجلو للبحوث التي أجريت أخيرا حول جماعات الضغط يتلخص في أن أجزاء من القطاع الخاص كانت تريد تخفيف القواعد المالية - فعملت بجدية وأنفقت بكثافة من أجل الوصول إلى هذه النتيجة. وجاء الزخم لإنشاء سوق عقارية ثانوية ضخمة من داخل القطاع الخاص: ''الإبداعات'' التي قدمتها مؤسسات الإقراض الضخمة مثل كنتري وايد، وأميركويست، والعديد من المؤسسات الأخرى، بدعم من البنوك الاستثمارية الكبرى. ونستطيع أن نقول بصراحة إن بعض أكبر اللاعبين في ''وال ستريت''، وليس ملاك المساكن المثقلين بالديون، هم الذين حصلوا على مساعدات الإنقاذ الحكومية السخية في أعقاب الأزمة.
ثم يتساءل أسيموجلو عما إذا كان هناك من الأدلة ما يشير إلى أن سوء توزيع الدخول في الولايات المتحدة قد تفاقم في أواخر تسعينيات القرن الـ 20، على النحو الذي دفع الساسة إلى الاستجابة بتخفيف القيود على القروض المقدمة لأشخاص كانوا ''متأخرين عن الركب''؟ الواقع أن الدخل في الولايات المتحدة أصبح أقل عدالة على مدى الأعوام الـ 40 الماضية، ولكن التوقيت لا يتناسب مع هذه القصة على الإطلاق.
على سبيل المثال، ومن خلال العمل الذي قام به أسيموجلو مع ديفيد أوتور (من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أيضا) نعرف أن دخول أعلى 10 في المائة على قمة سلم الدخل تحركت إلى الأعلى بشكل حاد أثناء ثمانينيات القرن الـ 20. كما سجلت الأجور الأسبوعية بالنسبة لأدنى 50 في المائة وأدنى 10 في المائة على سلم الدخول نموا بطيئا في ذلك الوقت، ولكن الطرف الأدنى من توزيع الدخول كان طيب الأداء نسبيا أثناء النصف الثاني من التسعينيات. وهذا يعني أن لا أحد كان يناضل أكثر من المنتمين إلى هذه الشريحة أثناء الفترة السابقة لجنون الرهن العقاري الثانوي، والذي اجتاح الولايات المتحدة في السنوات الأولى من القرن الـ 21.
وبالاستعانة بالبيانات الصادرة عن بيكيتي وإيمانويل سياز، أشار أسيموجلو أيضا إلى أن ديناميكيات توزيع الأجور بالنسبة لأعلى 1 في المائة على سلم الدخول في الولايات المتحدة تبدو مختلفة. وكما اقترح توماس فيليبون وأرييل ريشيف، فإن الزيادة الحادة التي سجلها المنتمون إلى هذه المجموعة في القدرة على الكسب تبدو أكثر ارتباطا بإلغاء التنظيمات المالية (بل وربما إلغاء التنظيمات في قطاعات أخرى). وبعبارة أخرى، كان أكبر الفائزين من ''الإبداع المالي'' من جميع الأشكال على مدى العقود الثلاثة الماضية هم الأغنياء - من أصحاب الدخول العليا بالفعل - وليس الفقراء).
وفي النهاية، يفحص أسيموجلو الدور الذي لعبه الدعم الحكومي الفيدرالي لقطاع الإسكان. فمن المؤكد أن الولايات المتحدة كانت لفترة طويلة تقدم إعانات الدعم للملاك الذين يقطنون مساكنهم - وأغلبها من خلال الخصم الضريبي على فوائد الرهن العقاري. ولكن إعانات الدعم هذه لا تفسر توقيت طفرة الرواج في الإسكان وقروض الرهن العقاري غير المألوفة.
ويشير الجمهوريون في لجنة التحقيق في الأزمة المالية بأصابع الاتهام بقوة إلى فاني ماي، وفريدي ماك، وغيرهما من المؤسسات التي ترعاها الحكومة، التي دعمت القروض السكنية من خلال تقديم ضمانات من مختلف الأنواع. وهم محقون في أن مؤسسات مثل فاني ماي وفريدي ماك كانت ''أضخم من أن تترك للإفلاس''، الأمر الذي مكَّنها من الاقتراض بتكاليف أرخص كثيرا وخوض المزيد من المجازفات - بالاستعانة بأقل القليل من التمويل لدعم استثماراتهم.
ولكن في حين قفزت مؤسسات مثل فاني ماي وفريدي ماك إلى قروض الرهن العقارية المريبة، وقامت ببعض الأعمال مع مقرضي الرهن العقاري الثانوي، فإن كل هذا كان قليل الشأن نسبيا ولم يحدث إلا في وقت متأخر من الدورة (في الفترة 2004 - 2005). أما قوة الدفع الرئيسة فكانت كامنة في الآلية الكاملة لتحويل الديون إلى أوراق مالية ''ذات طابع خاص''، والتي كانت خاصة بالفعل. والحق أن كبار اللاعبين الأقوياء المنتمين إلى القطاع الخاص لم يكفوا، كما أشار أسيموجلو، عن محاولة تهميش فاني ماي وفريدي ماك وإقصائهما عن قطاعات السوق السريعة التوسع.
والواقع أن الجمهوريين في لجنة التحقيق في الأزمة المالية محقون في وضع الحكومة في مركز الأخطاء التي ارتكبت، لكن هذا لم يكن راجعا إلى فرط التنظيم وفرط التوسع. بل إن الأمر على العكس من ذلك تماما. فبفضل 30 عاما من إلغاء التنظيم المالي، الذي بات ممكنا من خلال أسر قلوب وعقول القائمين على التنظيم، والساسة على الجانبين، بات بوسع نطاق ضيق من نخبة القطاع الخاص - وأغلبهم في وال ستريت - الحصول على جميع مزايا الجانب الإيجابي من ازدهار الإسكان.
أما الجانب السلبي فكان من نصيب بقية المجتمع، وخاصة غير المتعلمين نسبيا وأصحاب الدخول المتدنية، الذين خسروا الآن مساكنهم أو وظائفهم أو الأمل في مستقبل أفضل لأطفالهم، أو كل ذلك. إن هؤلاء الناس لم يتسببوا في إحداث الأزمة، لكنهم يدفعون الآن ثمنها.

خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2011.
www.project-syndicate.org

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي