المواطن العربي وموسم الحرائق العربية
يشهد العالم العربي هذا الأسبوع ظاهرة غريبة وهي اشتعال الحرائق العربية دفعة واحدة لتضاف إلى الحرائق المزمنة ولذلك، فمن الواجب تركيز الأنظار على هذه الحرائق مما يضع الكاتب في مأزق الاختبار ومنهج الكتابة الذي يعالج الحدث دون أن يثير الوسط المحيط بالحدث، ولا أظن أن الكتاب الجادين يستطيعون الإفلات من مأزق التعمق والمصارحة دون إسالة الدماء.
في المشهد العربي هذا الأسبوع ثورة تونس وما تحمله من دلالات وتباين المواقف منها ولكن خطورتها وجدتها على الساحة العربية خلال العقود الثلاثة الأخيرة دفعت قمة شرم الشيخ الاقتصادية أن تدرس هذا الحدث، وما دامت القمة اقتصادية، فمن الطبيعي أن تبحث الأوضاع الاقتصادية التي تولد التوترات الاجتماعية والتقلصات السياسية. ولكن ثورة تونس علمتنا دروساً كثيرة يجتهد الباحثون في تأملها، كما يجتهد آخرون في التقليل من شأنها، ولكن يبقى الدرس الأول وهو أن العالم العربي جزء من العالم المحيط به بكل تفاعلاته ومن العبث بقاء الافتراضات القديمة قبل تجليات ثورة وسائل الاتصال والتعليم.
الحريق الثاني الذي هب فجأة هو تجدد الأزمة السياسية في لبنان وقد تجددت على نطاق أوسع رغم الجهود السعودية والسورية المخلصة، لأسباب كثيرة بعضها يتصل برغبة المعارضة في إفشال محكمة الحريري لشعورها بأنها مؤامرة، بينما يرى آخرون أن المعارضة تريد أن تتسيد لبنان، ويرى فريق ثالث أنها لا تريد عدالة دولية تنال من مكانتها بمجرد الاتهام، ويرى فريق رابع أن الدفع بالقرار الاتهامي ورفض الحكومة التصدي له أنهى أسس وفاق الدوحة، ولكن المحصلة النهائية هي أن لبنان يواجه حريقاً يستدعي التحرك لإطفائه قبل انتشاره مما دفع سورية وقطر إلى محاولة الإنقاذ.
الحريق الثالث هو حريق السودان الذي يبدو أنه سيمتد إلى كل السودان، بل وإلى العالم العربي كله، ذلك أن انفصال الجنوب الذي تابعناه في ''الاقتصادية'' منذ اتفاق نيفاشا عام 2005 يثير أزمة داخلية في السودان، كما أن المؤشرات تتجه إلى مخاطر انفصال أجزاء أخرى عن الجسد السوداني، فضلاً عن توابع الانفصال وتسوية الآثار المترتبة عليه في كل القضايا التي تنشأ عادة في حالات التوارث والانفصال.
حريق تونس وأسبابه واحتمالات امتداداته سيظل محل الاهتمام العربي والعالمي. ولكن حريق تونس أثبت أن الدول العربية لا تعيش بمعزل عن بعضها البعض، مما يدفع إلى بحث قضية التكامل الاقتصادي العربي، فالرخاء في بلد لا ينتقل إلى بلد آخر إلا بإجراءات اقتصادية تكاملية.
أما حريق السودان فهو الذي يتعين على القمم المقبلة دراسته بتعمق لبيان دور القوى الخارجية وسلوك الحكومات الوطنية، والتفريط العربي في ملحمة تمزيق السودان، ويفضل أن تبحث القمة ملف السودان في جانبها الموضوعي بشفافية كاملة، لأن تمزيق السودان سيؤدي إلى ارتدادات خطيرة في بقية الجسد العربي. وأما حريق لبنان وهو امتداد لحريق اغتيال رفيق الحريري وبدء الفتنة في لبنان فإنه يمكن أن يعصف بلبنان الوطن ولذلك فهو بحاجة إلى دور عربي فاعل متفق عليه، مع فرز آثار التدخلات الأجنبية بكل تجرد.
في هذه الحرائق الثلاثة لا تقف آثارها عند مواطن اشتعالها وإنما تمتد إلى سائر الجسد.