دروس سابقة انفصال جنوب السودان

من المقرر أن ينتهي اليوم الاستفتاء في جنوب السودان، ولكن النتائج واضحة بناء على مجموعتين من المؤشرات، والنتيجة هي أن الجنوب سينفصل. أما المؤشرات فبعضها عضوي وتاريخي يرتبط بتطور الصراع حول الجنوب منذ أكثر من 60 عاماً، والمؤامرة الدولية على السودان التي تبلورت مع نشأة إسرائيل، حيث اهتم قادتها منذ البداية بتأمين وجودها وقوتها، ما ظهر في مذكرات بن جوريون المنشورة عام 1953، ثم التركيز الأمريكي والصهيوني على فصل الجنوب، وحرص واشنطن على أن يولد الجنوب برعاية وحضور رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ جون كيرى، حيث لا شبهة في أن الانفصال يتم بيد إسرائيلية ــــــ أمريكية في العلن على تفصيل لا يتسع المقال له.
أما المجموعة الثانية من المؤشرات فهي المرتبطة بسلوك الحركة الشعبية والشعور الذي نقلته إلى الشمال والجنوب وعبر عنه سلفاكير رئيس الحركة بأن الاستفتاء تصديق على الانفصال وليس أداة للاختيار بين الوحدة والانفصال، ما دفع الرئيس البشير إلى اعتبار هذا الموقف خرقاً فاضحا لاتفاق نيفاشا من جانب الحركة.
إذا كان الانفصال حقيقة وله تبعات عميقة، فإن من المفيد الآن أن نلقي الضوء سريعاً على ثلاثة نقاط نضعها عناوين لكل من ألقى السمع وهو شهيد. النقطة الأولى، تتعلق بأسباب الانفصال. ويهمني منها أمران: أولهما خطوط المؤامرة وقسوتها وانفرادها بالسودان، والثانية طريقة معالجة الحكومة السودانية، لهذا الملف خلال عقدين من الزمان ومدى إدراكها لمآلات هذه المؤامرة. النقطة الثانية تتعلق بدروس الانفصال التي يجب أن تفيد في توقي الآثار السلبية المترتبة عليه. أما النقطة الثالثة فهي تتعلق بتوابع وتداعيات الانفصال وكيفية التعامل مع هذه السابقة، وأظن أن هذه النقطة هي الأخطر، ولكن إذا تدبرنا دروس الانفصال بموضوعية وأمانة أمكن لنا محاصرة آثار الانفصال. ذلك أن الإطار الأول الذي ستنطلق إليه سهام الانفصال هو الساحة السودانية، وثاني هذه الساحات هي ساحة العلاقات المصرية والسودانية التي يجب أن نحذر من أنها معبأة بالكثير من دواعي التفجير. أما الساحة الثالثة فهي العلاقات الفورية بين الجنوب وإسرائيل تتويجاً لانتصار المشروع الصهيوني وبداية الغيث فى تدمير المنطقة العربية بخطط المشروع الصهيوني الذي قدر أن هذا العقد من 2011 إلى 2020 هو عقد تفتيت العالم العربي، وأظن أنه قد بدأ المخطط بداية مبكرة مما نراه في العراق وفى فلسطين ثم السودان.
لعل أهم دروس الانفصال هو أن تراخي العالم العربي والانسحاب أمام المشروع الصهيوني في الكثير من الساحات مدعوماً من الولايات المتحدة قد أثمر في دول الرباط العربي وهى دول الأطراف. والدرس الثاني ضرورة الاهتمام بدور السلطة الوطنية في الأزمة حتى تفوت الفرصة على المخطط الصهيوني. صحيح أن الأسباب التي تسوقها الحركة الشعبية للانفصال معظمها يقع في باب الذرائع بحكم نشأتها وظروفها وبرنامجها، ولكن الحركة ترى أن الجنوب قد تم تهميشه من جانب المركز، وأنها حاربت لكي يتساوى كل السودانيين في الثروة والسلطة، وهم في الواقع شركاء في الفقر وهذا مردود عليه؛ لأن اتفاق نيفاشا أشرك الجنوب في الثروة والسلطة، ومع ذلك استغل الجنوب هذه السلطة والثروة في دعم مخطط الانفصال.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي