هل يؤدي تقرير مصير الأكراد إلى الانفصال؟

لا بد من التنبيه لما يجري في العراق، وقد سبق أن نبهنا إليه في مقالات سابقة في المكان نفسه، بل إنه منذ إصدار الدستور الدائم للعراق في ظل الاحتلال كان واضحا أن النية تتجه إلي تكريس استقلال أكراد العراق في إطار رؤية شاملة لتفتيت العراق. بدا من إمارات تميز الأكراد قبل الدستور في مناطق الحظر التي فرضتها الولايات المتحدة استنادا إلى تفسير معين لقرار مجلس الأمن 688 عام 1991, ثم ساعدت القوات الكردية الغزو الأمريكي للعراق امتدادا للصراع بين الجيش العراقي وحركة التمرد الكردية في الشمال. خلال السنوات الثلاث الأخيرة كرس الأكراد مظاهر الاستقلال بدعم من الولايات المتحدة، وخاصة أن الرئيس ووزير الخارجية من الأكراد, فإن رئيس العراق ألقي خطابا في الأمم المتحدة باللغة الكردية والترجمة إلى العربية استنادا إلي أن ذلك مباح في الدستور الدائم.
في غضون عام 2010 ارتفعت نغمة الحديث عن تقرير المصير في كوسوفو وجنوب السودان, وحذرنا في هذا المكان أيضا من امتداد هذه الموجة إلى العراق في وقت ازدادت فيه الطائفية مع تقدم العملية السياسية، عمقا في المجتمع العراقي, خصوصا مع الحديث في الكونجرس عن مشروع تقسيم العراق تفاديا لحرب أهلية متوقعة بعد جلاء القوات الأمريكية. وفي تلك الأثناء أصدرت محكمة العدل الدولية رأياً استشارياً بشأن كوسوفو قرئ بشكل خاطئ.
هذا هو المناخ الذي أعلن فيه الزعيم الكردي مسعود بارازاني عزمه على إنجاز حق تقرير المصير للأكراد. وقد أثار هذا التصريح الكثير من التساؤلات حول حدود الطموح الكردي في العراق، وردود الفعل العربية والدولية وخصوصاً التركية, كما جاء الإعلان مع إلحاح جنوب السودان على الانفصال بحجة تقرير المصير. فمن المعلوم أن الورقة الكردية ـ العراقية استخدمت تاريخيا في الصراع المرتبط بالعراق, من جانب إيران وتركيا والولايات المتحدة في صراعهم مع العراق. وكانت النتيجة لتراكم تشجيع الأكراد في العراق ضد الحكومة العراقية، هي ارتفاع وعي الأكراد بالقومية الكردية، وهذه من أخطر ما ترتب علي غزو العراق للكويت. وكان السؤال دائما هو إلى أي مدى يستطيع الأكراد في العراق أن يكونوا دولة مستقلة، وأن تكون نواة لدولة كردية أكبر. وإذا كان النظام الديمقراطي العربي في بغداد هو المسؤول خطأً أم صوابا عن تأجيج المشاعر القومية الكردية, فإن الخطر على تركيا التي أصبحت ديمقراطية قد جعل النظام الديمقراطي فيها ليس هو الحل النهائي لمشكلة الأكراد. ويثير التساؤل تأخر موقف تركيا الذي يعول المراقبون علي حساسيته لهذا الملف، آمالا في المحافظة علي وحدة العراق مما يطرح التساؤل حول طبيعية التقارب التركي ـ الكردي وحدوده فيما يتعلق باتجاه الأكراد إلى الاستقلال.
إننا ننبه بشدة إلى أن ملف الأكراد سيزداد خشونة في مطلع العام القادم بعد انفصال جنوب السودان، وربما يشهد السودان انقسامات أخرى، خاصة في دارفور، ولذلك لا بد أن يوجد تنسيق بين العالم العربي وإيران وتركيا. ويكفي أن الأكراد مستقلون على أرض الواقع، وخاصة أن الارتباط وثيق بين أصابع إسرائيل. والمطلوب هو المحافظة على وحدة العراق لمصلحة الجميع بعد أن تجاوز الملف الصراع من أجل القومية الكردية أو الصراع العربي ـ الكردي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي