التغيير الإيجابي .. يمر عبر التفكير خارج الصندوق
الخروج عن المألوف ومخالفة الأساليب الرتيبة والعادات المتكررة أو قل تطويرها إلى أساليب أكثر جدوى وكفاءة أو ـــ إن صحت تسمية ذلك كلّه ـــ ثقافة التغيير، أقصد التغيير الإيجابي بالطبع، كل هذا يتطلب جهوداً مضنية واستشعاراً للهدف والمحصلة الأخيرة لهذا التغيير، وبالتأكيد ألا يكون التغيير لأجل التغيير فحسب، إنما لأهداف سامية ونبيلة تستشرف المستقبل وتتطلع لآفاق مشرقة من الأداء المتميز على المستوى الوظيفي على وجه الخصوص، وعلى مستوى الحياة العامة على وجه العموم.
وبالطبع فإن ما يجعل البشر بجبلتهم يرتقون هذه القمة الكؤود بما يكتنفها من متطلبات قد تفوق طاقاتهم البشرية، هو تيارات العولمة والمعاصرة ـــ إن صح التعبير، مما يدفعهم إلى ضرورة التغيير لما يضمن مواكبة أدائهم لأداء مؤسسات عملٍ أخرى منافسة والبقاء في مصاف الأحياء في سوق كبيرة تكتنفها تحديات التغيير على مختلف المستويات، وسائل تكنولوجية سريعة، نمو اقتصادي مطرد، ومتطلبات عملاء متنوعة وسوق عالمية مفتوحة وإغراق واحتكار مكبلٍ أو مبطئ لتسريع المواكبة!
والبشر بطبيعتهم مؤثرون ومتأثرون، وهذا مصداق قول الحق تبارك وتعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، وبلا شكٍ أن التغيير المتعجل وغير المدروس أو غير المتحسس لنتيجة أو محصلة نهائية أو Target، هو تغيير متخبط أو تغيير لأجل التغيير، كطفلٍ ملّ لعبته المتكررة إلى أن رأى لعبةً أخرى لدى ابن جيرانهم وأراد أن يحظى بلعبةٍ مثلها!والتغيير الإيجابي يتطلب خطوات منتظمة تستند إلى خطط مدروسة، لأن التغيير الذي لا يستشرف التوقعات ويصيغ التطلعات في قوالب محسوسة قابلة للقياس ما هو إلا سفينة بلا ربان لا تكاد تهتدي إلى وجهة، فإذا كنت لا تدري إلى أين تذهب إذاً لا يهم أي طريقٍ تسلك! فالتخطيط السليم هو الخريطة الزمنية للوصول إلى الغايات، فبالتخطيط السليم نتوقع المعوقات ونذلل الصعاب ونتفادى المشكلات قبل وقوعها.
ومن الجدير أن أشير إلى أن للتخطيط السليم أدوات قد لا تتوافر لدى كثير من البشر، ومن أهم هذه الأدوات توافر قدرات التفكير المتميزة، فالتفكير النمطي المقولب في قوالب مكررة هو تفكير لا يستشرف المستقبل ولا يتوقع المعوقات وهو شبيه بالسير على قضبان سكة الحديد لا يلتفت إلى ما حوله، والتفكير غير النمطي أو ما يسمى بالتفكير خارج الصندوق هو قدرة نادرة لا يمتكلها إلا نخبة القياديين في مختلف المجتمعات حتى على المستوى البهيمي، وعذراً على هذا القياس، فالقوة وحدها لا تحكم حتى قانون الغابات! إنما الدهاء والحيلة أو قدرات التفكير هي التي تدير عجلة القيادة، فكم من الأمثلة التي أوردها عبد الله بن المقفع في كتابه الشهير (كليلة ودمنة) مما يحاكي المواقف البشرية، إلا مما يدل على ذلك؟!
وفي هذا السياق فإن القيود التي نفرضها على تفكيرنا وتحديد آفاق التصورات الذهنية غير المألوفة لدى كثير من البشر لهي مما يعترض اكتساب مهارة التفكير خارج الصندوق، فكثير منا لديه بعض الخبرات السلبية بالتأكيد، والتي تشكل خريطة ذهنية يعتمدها في التفكير التقليدي المبني بشكلٍ لا إرادي على خبراته السابقة في حالات مماثلة، بينما يكون الحل الناجح لكثير من مشكلاتنا في تجربة بعض الخيارات التي لم نجربها في وقتٍ سابق! وهو التفكير خارج حدود المألوف، فعلى سبيل المثال ألا نتفق أن كثيراً من الاختراعات التي بين أيدينا اليوم كانت في يومٍ من الأيام ضرباً من الجنون، فماذا قيل عن الساعة حين ظهرت للوجود؟! والمصباح الكهربائي والهاتف و.. و.. كثير جداً من الابتكارات المذهلة التي أكسبت حياتنا اليوم مزيداً من الرفاهية، وأسهمت بفاعلية في علاج كثير من المشكلات.
ومن الأمثلة التي قد يحسن بي أن أسوقها على سبيل المثال لقيود التفكير التي نفرضها على عقولنا، تلك الأحجية أو اللغز الذي ابتكره فيلسوف في العقد الرياضية، وهو من الأمثلة التي أستشعرها عندما أواجه قراراً يحتاج إلى تفكيرٍ غير مألوف، هذا اللغز مكون من تسع نقاط مشكلة على شكل صندوق (3 نقاط × 3 نقاط) كيف تستطيع الربط بينها بأقل عدد من الخطوط المستقيمة والمتصلة؟ وقد تعجبون من الاحتمالات الممكنة لحل هذا اللغز الذي قد يظن البعض أنه مستحيل الحل! والسبب هو: قيود التفكير، فمن أعد اللغز لم يشترط استخدام قلم معين أو عدم الخروج عن حدود مربع الصندوق، إذاً بالإمكان استخدام قلم واحد بريشة عريضة ويكون الحل الصحيح بخط واحد فقط! وللاستدلال: شكل النقاط كما هو موضح في الشكل المرفق:
0 0 0
0 0 0
0 0 0
الخلاصة أننا نعيش في هذا الوقت بالذات في عالمٍ ديناميكي لا يفتر عن الحركة على الدوام مما يحتم تنمية قدرة فائقة على التكيف والمواكبة، ومن أهم أدوات هذا التكيف، تبني منهج التفكير اللانمطي، مما يضيف إلى واجباتنا مزيدا من الواجبات.
مهندس ـــ ''سابك''