تكاليف البناء .. البحث عن حلول جديدة
هناك أكثر من مبادرة لتقديم حلول عملية من أجل تخفيض تكلفة البناء في المملكة، التي تعد الأعلى إذا ما قورنت بدول أخرى، ساعدت فيها الأبحاث على إيجاد طرق ووسائل ومواد بناء تسهم في خفض التكلفة الإجمالية، حيث تبقى المعاناة من ارتفاع التكلفة همّا لا مناص منه بالبحث عن تمويل إضافي، أو طلب رفع مبلغ القرض الحكومي، فالاستسلام والشكوى لا يؤديان إلى نتيجة ملموسة، كما أن زيادة الاقتراض من أي طريق تخلق دينا يثقل كاهل رب الأسرة.
لقد دعا «المنتدى السعودي الأول للأبنية الخضراء 2010» الذي نظم أخيرا في الرياض، شركات التطوير العقاري والمقاولات إلى إعادة النظر في الخطط الاستراتيجية للبناء التقليدي، وذلك لما يتسبب فيه من خسائر مالية كبيرة، حيث طرح المنتدى فكرة الأبنية الخضراء التي هي جديدة بالكلية للمواطن ومؤسسات وشركات المقاولات التي لا تعرف شيئا عن هذه الفكرة سوى أنها وثيقة الصلة بالبيئة وتقلل من استخدام الطاقة، وقبل ذلك تسهم في خفض التكلفة الإجمالية للبناء، أما كيف يتم ذلك فإن أمامنا فترة زمنية طويلة لإحداث القناعة بهذه الفكرة قبل كل شيء.
طالب المنتدى وزارة التعليم العالي، باعتماد برامج ماجستير في تخصصات الأبنية الخضراء في كليات مستقلة ومتصلة بكليات الهندسة والعمارة والتخطيط، وصرف مكافآت للمواطنين من البلديات الفرعية لاستخدامهم البدائل والمواد الاختيارية الصديقة للبيئة عند إنشاء الأبنية الجديدة من خلال برامج محفزة، بالتنسيق مع الجهات الخدماتية من كهرباء وماء. وأوصوا في ختام أعمال المنتدى التي استمرت على مدار ثلاثة أيام بإعداد أدلة ونشرات تعريفية إرشادية عن تقنيات الأبنية الخضراء.
إن أول خطوة يجب اتخاذها هي تطوير كود البناء السعودي ليشمل الكود الأخضر، لأن مفهوم الأبنية الخضراء لا يزال حديث الظهور ليس في المملكة فحسب، بل في الخليج العربي والشرق الأوسط عموما، وهذا يتطلب بناء قاعدة تثقيفية وعلمية لضمان استدامة هذا الاتجاه الصديق للبيئة الذي يشكل اتجاه القرن الحالي، حيث يعاني العالم تناقص الثروات الطبيعية وتزايد الثورات الصناعية، مما يتطلب إيقاف استنزاف الموارد وتحسين البيئة السكنية.
إن ارتفاع تكلفة البناء والزيادة غير المبررة في أسعار مواد البناء ومنها الحديد، سيؤدي قطعا إلى تغيير في ثقافة البناء وفي فكر المستهلك، فالحاجة أم الاختراع والدافع للبحث عن البدائل موجود وهو بحاجة فقط إلى توجيه جيد ليؤدي الغرض منه، رغم أن السبب البيئي الذي يراه المختصون غير موجود في ذهن المواطن أو المؤسسات والشركات المنفذة للأعمال الإنشائية.
إن التوجه نحو بناء آمن وصديق للبيئة واقتصادي على المدى الطويل يخدم عدة أغراض مشروعة، بل أصبحت ضمن أجندة العمل الدولي سواء الرسمي أو الأهلي، أما البحث العلمي والأكاديمي فإنه يعمل على قدم وساق في ماراثون للحفاظ على البيئة والتوفير في استخدام الطاقة والموارد. ولن يكتب لهذا التوجه النجاح لو انتظرنا مبادرة من المستهلك لأنه ليس من يقود دفة التطوير العمراني، بل قد لا يتفهم أن المباني الخضراء لديها القدرة على الحفاظ على قيمتها لفترات طويلة في الوقت الذي تفقد فيه المباني التقليدية قيمتها على المدى البعيد.
إن فكرة الأبنية الخضراء توفر ما يقارب 40 في المائة من تكلفة البناء و30 في المائة من تكلفة الصيانة والتشغيل، ولعل البدء بالمشاريع الحكومية والأهلية لتطبيق الفكرة يسهم في القناعة بها، فالمستهلك يرتاد المرافق الحكومية ومنشآت القطاع الخاص ويثق بتصاميمها، بل يسعى إلى تقليدها واعتبارها نمطا جديدا غير محرج اجتماعيا، فالتصاميم جزء من التراث وقابلة للتطوير والتحديث متى تمت مراعاة النمط المحلي والظروف البيئية المتغيرة كل عام نحو الأكثر قسوة صيفا وشتاء، وإلا فإن هذه الفكرة ستبقى حبيسة التوصيات والأبحاث.