دلالة الاعتراف بالدولة الفلسطينية إسرائيليا وفلسطينيا

تتوالى اعترافات دول أمريكا اللاتينية بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967، وكان آخرها في أوائل هذا الأسبوع البرازيل والأرجنتين، ليصل عدد الدول اللاتينية إلى تسع دول.
كان رد الفعل الإسرائيلي غاضباً معبراً عن الأسف، بينما وصفت مصادر رسمية إسرائيلية هذا الاعتراف بقيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية بأنه حكم بالإعدام على إسرائيل، وزعمت أنه تصرف من طرف واحد واتسم رد فعلها بالمبالغة.
في المقابل، أعلنت السلطة الفلسطينية ورئيسها عن سعادتها أملا في أن يكون الاعتراف أداة ضغط على إسرائيل لوقف الاستيطان.
فهل هذه اعترافات جديدة أم هي تأكيد للاعترافات القديمة منذ أعلن عرفات، والمجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر عام 1988 القبول بدولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، ثم تأكد حل الدولتين في الدبلوماسية الدولية، وفى قرارات مجلس الأمن حتى في الخطاب الإسرائيلي على الأقل منذ خطاب نتنياهو في جامعة بيرإبلان في 15/6/2009 إذا تجاوزنا عن الشروط القاسية التي وضعها للقبول بهذا المبدأ، وأخطرها أن يعترف الفلسطينيون بأن إسرائيل هي أرض الشعب اليهودي.
وما قيمة هذا الاعتراف حتى لو اعترف العالم كله بالدولة الفلسطينية ما دامت إسرائيل قد التهمت إقليم هذه الدولة، وأصبح الحديث عن حدود 1967 في ظل هذا الأمر الواقع ضربا من الأحلام؟ وإذا كان ذلك صحيحاً فلماذا الاغتباط الفلسطيني والمرارة الإسرائيلية، وهما يدركان أن القوة هي التي تعزز الحق في فلسطين، ولماذا إذن غضبت الولايات المتحدة من الدول التي أعلنت اعترافها؟
يدرك القارئ عدداً من الحقائق الحاسمة في هذه القضية، التي تعينه على العثور على الرد على هذه التساؤلات، الحقيقة الأولى، هي أن الحالة الفلسطينية قد وصلت إلى مرحلة حرجة، وأن إسرائيل ألزمت الجانب الفلسطيني والأمريكي حدا معينا في تناول مسألة الدولة الفلسطينية. الحقيقة الثانية، أن إسرائيل وأمريكا تتحدثان عن الدولة الفلسطينية، وتعملان بالاستيطان وغيره على تآكلها.
الحقيقة الثالثة، أن إسرائيل لا تطيق طرفا ثالثاً يتحدث عن حقوق فلسطينية، وكيان فلسطيني، ولديها حساسية خاصة في ذلك، وتود أن تطمس هذه القضية تحت زخم الأمر الواقع المتسارع. هذا المشهد هو الذي يدفع إسرائيل إلى الشعور بالمرارة، لأن التركيز على دولة مستقلة في حدود 1967، ينكأ جراحا ظنت إسرائيل أنها اندملت، كما أن هذا التأكيد يعني عدم الاعتراف بأي حدود لإسرائيل خارج حدود 1967، فضلا عن أن ذلك يعيد الفلسطينيين إلى آمال بدأ الأمر الواقع يطمس أنوارها، وبسببها قبلت إسرائيل "أوسلو" حتى تتحكم في أقدار الفلسطينيين بعد وضعهم في دائرة الأمل الذي أغرى عرفات يومها فبنى عليها أحلام اليقظة، وهو يرى كل صباح أسوار القدس ومآذن الأقصى.
ما بين الأمل الفلسطيني والألم الإسرائيلي يكون لهذه الاعترافات قيمة تأصيل الحق الذي يلح على واقع جعلت به إسرائيل جسد الدولة في قبضة التهويد، وتطارد الشعب باليأس والهجمة الشرسة آملة أن تتفوض أركان الدولة، شعباً وأرضاً.
الدولة الفلسطينية حق وأركانها قائمة، ولكن الغصب الصهيوني يحاول طمس هذا الحق، وأرجو أن يجدد العالم كله اعترافه مرة أخرى بهذه الدولة، حتى تسطع شرعية الحق في ظلمات الحيازة غير المشروعة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي