حتى لا تكون «غصون» أخرى

أُعلِن الأسبوع الماضي تنفيذ حكم القتل تعزيرا في أحد الأشخاص لقتله ابنته التي تبلغ من العمر خمس سنوات. إعلان تنفيذ الحكم أورد صور التعذيب التي تعرضت لها الطفلة، مبينا أن والدها من أرباب السوابق والمخدرات. وقبل سنتين تقريبا أُعلِن تنفيذ حكم القتل في رجل وزوجته لقيامهما بتعذيب وقتل ابنة الزوج واسمها ''غصون'' من زوجته السابقة. ولا تخلو الصحف من نشر حالات تعذيب لأطفال داخل أسرهم، يتنوع الجناة والضحايا في كل مرة أبرياء. بأي ذنب قتلت هاتان الطفلتان؟ وبأي ذنب يعذَّب أطفال آخرون؟
عبارات الاستنكار ووصف هذه الحوادث بالشاذة والغريبة لن تحول دون وقوع ضحايا جدد؛ ما لم يكن لدينا منظومة كاملة من العمل المؤسسي لحماية الأطفال من كل أشكال الإيذاء، سواء مادية أو نفسية أو حتى تعرضهم للإهمال ممن يتولون رعايتهم. نعم، لقد نشطت في السنوات الأخيرة مبادرات إيجابية لمحاولة مواجهة ظاهرة إيذاء الأطفال كجزء من ظاهرة العنف الأسري؛ كتشكيل لجان للحماية الاجتماعية في مناطق المملكة، إلا أن الدور في جانبه الأكبر لا يزال علاجيا، ولم يتبلور دور وقائي يحدّ من أسباب وقوع حالات الإيذاء ابتداءً.
حق التأديب تحوَّل في أذهان بعض من يتولون رعاية الأطفال إلى صورة من صور التعذيب. جهل هؤلاء أن للتأديب شروطا تجاوزها يوجب المساءلة. إذا كان هؤلاء قد نزعت من قلوبهم الرحمة على من يستحقون الرحمة والعطف؛ فيجب على المجتمع أن يتحرك لحماية هؤلاء الأطفال. لقد تطورت بعض المفاهيم المغلوطة عن التربية لتتشكل قناعات مطلقة أنه ''لا صلاح بلا عصا''، واختفى الحد الفاصل بين التأديب والتعذيب في حالات كثيرة.
كما يجب أن نمارس دورنا كأفراد في الإبلاغ عن حالات تعذيب الأطفال أو حتى إهمالهم. يتعامل الناس في المجتمعات المتقدمة بحذر شديد مع كل ما يمس الأطفال. على سبيل المثال، حذرت الملحقية الثقافية في الولايات المتحدة قبل أسبوعين جميع الطلاب من ترك الأطفال بمفردهم داخل السيارة، إثر إعطاء طالب سعودي وزوجته ثلاث مخالفات؛ بسبب تركهما أطفالهما في السيارة أثناء دخولهما محلا تجاريا، حيث قام أحد المارة بإبلاغ الشرطة. في هذه المجتمعات ينظر للطفل باعتباره ابنا للمجتمع ككل، وعلى المجتمع أن يتدخل لحمايته ليس من خطر قائم فحسب، بل حتى من احتمال تعرضه للخطر؛ ككون أحد الوالدين مدمنا على المخدرات مثلا.
بناء بيئة تشريعية تقوم على تقديم مصلحة الطفل كفيل بالحد من وقوع الأطفال تحت يد من ليس جديرا بهذه المسؤولية. مشروع نظام حماية الطفل يشمل أحكاما تتعلق بالعنف ضد الأطفال، ومن المتوقع أن يشكل إطارا قانونيا لمواجهة هذه الظاهرة؛ إلا أن البعد الاجتماعي المتعلق بالظاهرة كفيل بالحد من تناميها. هذه وقائع تحدث غالبا داخل المنازل؛ لذا فإن تشكيل وعي عام عن عواقب العنف ضد الأطفال يعزز جهود المكافحة. دور المسجد محوري في هذا الجانب، قلّ أن تسمع خطيبا يتناول جانب العنف ضد الأطفال، وأقوال الفقهاء المتعلقة بشروط التأديب وأحكامه. دور المدارس لا يقل أهمية في كشف حالات العنف ومعالجة أي تجاوزات تقع على الطالب أو الطالبة.
ذهبت ''غصون'' ضحية جريمة والدها وزوجته بالتعذيب بالنار والربط بالسلاسل والحرمان من الطعام، وذهبت الطفلة الأخرى ضحية لضرب والدها لها بسلك كهربائي وبيديه وبقدميه كما ورد في البيان، وأخبار تعرض أطفال للعنف الأسري لا تتوقف. أبرياء ظنوا أنهم آمنون في بيوتهم وبين أهلهم، ليس لهم من الحيلة إلا دمعة الضعيف وآهة المتألم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي