نحو تأسيس شركة وطنية خلاّقة وعملاقة لتقنية المعلومات (1 من 2)
يحوز قطاع تقنية المعلومات في العالم الأدوات اللازمة لتقليص النفقات عبر الوصول إلى حلول وتطبيقات ذكية، تسهم بشكل كبير في زيادة كفاية وإنتاجية أية شركة مع الوضع في الاعتبار عنصر التكلفة، وتحوّل هذا القطاع الناهض إلى وسيلة، يمكن من خلالها تجاوز الأزمات المالية التي تعصف بالعالم على فترات، ويستطيع، هذا القطاع في الوقت نفسه، من توفير فرصة لدولة ناهضة، مثل: السعودية، لتهيئة بيئة ملائمة لنمو هذا القطاع؛ لأهميته لمجتمع المعلومات، والمساهمة في تنويع مواردها المادية والبشرية، حيث تصبح الدولة التي تحوز المقومات البشرية المدرّبة والمؤهّلة، باستمرار، مقصدًا للاستثمار الأجنبي الذي يجذبه دومًا مزيج خاص من توافر المهارات مع تكلفة التنافسية للأجور وعناصر التشغيل، هو عنصر مهم من عناصر الجذب المهمة للاستثمار، فليس المقصود بعنصر التكلفة التنافسية هنا الانخفاض المتدني للأجور، ولكن بالمقارنة بالدول المتقدّمة في قطاع تقنية المعلومات. وأعتقد أن المملكة يمكن أن تنافس بتكلفة التشغيل مع مثيلاتها في هذا الخصوص، بالقيمة المضافة في ظل توافر المدن الاقتصادية والمعرفية، المنتشرة في بقاع المملكة كافة؛ لتحقيق طفرة أخرى في صناعة المعدات Hard Ware والبرمجيات software والاتصالات.. في الوقت الذي ترتفع فيه مكانة دولة، مثل الهند، بفضل صادراتها من تقنية المعلومات وخدماتها بأكثر من 60 مليار دولار سنويًا، ويعمل به نحو أربعة ملايين محترف.
نجح قطاع تقنية المعلومات السعودي، خلال الأزمة المالية العالمية، في اجتذاب عدد أكبر من الشركات العالمية بسبب هذه المزايا التنافسية، والإجراءات والسياسات التي تتخذها، الهادفة إلى تعزيز فرص الاستثمار الأجنبي في المملكة، وتهيئة المناخ المناسب لها وعملها باستمرار إلى توجيه فوائضها المالية للاستثمار في مجالات التدريب والتعليم والبنى التحتية، خاصة قطاع تقنية المعلومات، الذي شهد نقلة نوعية في الأعوام الأخيرة، حيث وعى الجميع، منذ وقت مبكر أهمية هذا القطاع باعتباره لبنة أساسية من لبنات التنمية، ومحركًا رئيسًا لمجالاتها المختلفة.
وقد أسهم هذا القطاع فعليًا بقيادة ومساعدة هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات في إحداث تطور ملحوظ في العديد من المجالات ذات الصلة، بوصفها المنظّم لهذا القطاع، والمحفّز لانتشار استخدامات التقنية من أجل توفير الخدمات وتطوير جودتها وخفض أسعارها، في بيئة تنظيمية محكمة ومحفزة على الاستثمار.
وحسب تصريح الدكتور سليمان بن عبد العزيز، مرداد نائب محافظ الهيئة لشؤون تقنية المعلومات، في صحيفة ''المدينة''، الصادرة في 27/8/2010، فإن ''حجم إنفاق المملكة بشكل عام على تقنية المعلومات، يزداد بشكل سنوي بمقدار 18.5 في المائة، وصولاً إلى 22.3 مليار ريال سعودي، ما يجعل السعودية أكبر منفق على تقنية المعلومات في الشرق الأوسط. وتتوقع الهيئة من خلال دراساتها وبحوثها الميدانية إلى نمو الإنفاق على تقنية المعلومات خلال عام 2010 بنسبة 17 في المائة، مقارنة بما كان عليه في عام 2009، بالرغم من ركود الاقتصاد العالمي الذي واكب أكبر دول العالم تصنيعًا لتقنية المعلومات والاتصالات، وما يحدث من إخفاقات مالية صاحبت العديد من الدول التي جعلت كثيرًا من القطاعات تنمو بشكل سلبي، ومع هذا، فإن قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات في المملكة كان له تفرد في النمو الإيجابي''.
لكن واقع حال هذه الصناعة السعودية الواعدة يشير إلى غير ذلك، حيث إن مراكز الاتصال السعودية والعالمية التي تخدم مختلف مناطق العالم وبأكثر من 20 لغة ليست إلا جزءا من صناعة ضخمة تتضمن تطوير المعدات، والبرمجيات, والبرمجيات المدمجة, ونظم المعلومات, والتطبيقات, والاستشارات التي تُعد الأرقى في درجات سلم القيمة المضافة.
وحتى تتم معالجة هذه القضية بنوع من التسلسل المنطقي يجب الإدراك بأن دولة مثل المملكة في حاجة إلى مختلف درجات سلم القيمة المضافة، وأولى درجاته، وهي مراكز الاتصال والخدمات التي توفرها تفتح الباب أمام توطين كثيف للعمالة، وهو من الأهمية بمكان، لأنه يساعد بشكل أساسي على تحجيم معدلات البطالة، خاصةً أن تقرير هيئة تقنية المعلومات الأخير لعام 2009م، أشار إلى عدد من المعوقات التي يمكن أن تقلل الاستفادة المثلى من تقنية المعلومات، ومن بينها عدم توافر المجموعة الكافية من المتخصصين في هذا الخصوص، بالرغم من مبادرات الهيئة وسعيها الحثيث في هذا الخصوص، فضلاً عن إصدارها أول دراسة مفصلة عن الوضع الراهن لمهارات تقنية المعلومات في المملكة التي اشتملت على العديد من الإحصاءات التي تخص العرض والطلب على كل من مهارات وتخصصات تقنية المعلومات!
وعلى الرغم من أن هذه النوعية من الوظائف لا تحتاج إلى التخصص الدقيق، اللهمّ إلا حزمة مهارات أساسية يتعين على المحترف إتقانها حتى يمكنه الالتحاق بالوظيفة أصلا. ومع الأسف أن هذا النوع من المهارات يصعب على المخرجات الجامعية اكتسابه! ما يدعونا إلى ابتكار برامج تدريبية تقنية ومعلوماتية، للشركات التي تستثمر في المملكة، تتحدد تبعًا لمتطلبات الشركات المختلفة، أو كل شركة على حدة، لفوائد كثيرة مزدوجة:
ــ الأولى: يتم تقليص الفجوة بين الدراسة الجامعية ومهارات العمل الأساسية.
ــ الثانية: تقليل نسبة البطالة في المجتمع، وتزويدهم بالمهارات الأساسية للالتحاق بسوق العمل في هذا القطاع.
ــ الثالثة: المساهمة في تحويل المجتمع إلى مجتمع المعرفة والمعلومات عبر اقتصاديات المعرفة والمعلومات.
وفي ظل ندرة المنتجات المحلية الصنع في هذا القطاع الحيوي، الذي له تأثيراته الإيجابية في الإنتاجية والقدرة التنافسية في القطاعات الاقتصادية كافةً، وله أيضًا تأثيراته في النمو الاقتصادي الوطني بشكل عام، فضلاً عن قدرته الكبرى على توليد فرص العمل، وعلى تحقيق التنوع الاقتصادي، حيث تشكّل هذه العوامل تحديات حقيقية للاقتصاد السعودي خاصة والعربي بشكل عام، يبقى خيار بناء شركة وطنية خلاّقة وعملاقة لتقنية المعلومات، لها معاييرها ومواصفاتها الدقيقة، وتهيئة بيئة ملائمة لتنامي هذا القطاع أمر واجب ومهم لبناء القدرات، ونواة عربية لتطوير قطاع تقنية المعلومات والاتصالات في المنطقة.. تكون على غرار الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)؛ لتكون واحدة من الشركات العالمية الرائدة في صناعة المعدات والبرمجيات والاتصالات في العالم، في ظل استحواذ الشركات الكبرى على حصة كبيرة من السوق في مجال تقنية المعلومات، مناصفة مع الشركات الصغيرة والمتوسطة، ما يتطلب ضخ المزيد من رؤوس الأموال الكبيرة، وتهيئة أعداد كبيرة من المختصين الفنيين، كما هو كائن في معظم الدول المتقدّمة.