تطوع .. لتتعرف على بنات!

كانت هذه إحدى أبرز الرسائل التي حاول منتجو فيلم "التطوع الأخير" الذي انتشر في الفضاء الإلكتروني إرسالها إلى أكثر من جهة. إضافة إلى أن التطوع وسيلة للتعرف على الجنس الآخر كما يدعيه الفيلم، بعث مجموعة من الشباب يبدو عليهم أنهم خبروا التطوع وجربوه برسائل أخرى لا تقل إثارة عن سابقتها، مثل أن التطوع بين الشباب والشابات ظاهرة شكلية، وأنه وسيلة للتسلق نحو مناصب قيادية.
قرأ البعض من المشاهدين الفيلم على أنه انتقاص لجهود تطوعية كبيرة، وقرأه آخرون على أنه رسالة تحذيرية لإدراك التطوع من بعض الممارسات الخاطئة التي من شأنها أن تشوه العمل التطوعي السعودي، وظهوره كنشاط يتصادم مع قيم المجتمع وعاداته. وما بين ناظر إلى نصف الكأس الممتلئ ونصفها الفارغ، فإن "التطوع الأخير" يثير قضية مهمة وجديرة بالمناقشة في أكثر من محفل ومناسبة.
إنها قضية دوافع التطوع ومحفزاته. قد يبذل الشخص خدمات تطوعية كبيرة وجليلة فقط لملء وقت الفراغ الذي يعانيه، وقد يقدم شخص آخر ذات الأعمال من أجل تحقيق هدف عميق لديه ومساندة قضية يؤمن بها. وقد يرى أحدنا التطوع كعبادة ومصدر لرضا الله تعالى، فيحرص على ألا يعرف عنها أحد، بينما يتطوع آخرون لتحقيق أهداف شخصية وإرضاء لآخرين، ويبذل كل جهده للتعريف بها. ولو أردنا أن نسرد فقط دوافع التطوع لضاقت بنا المساحة المخصصة لهذا المقال، فالتطوع بحر لا ساحل له مليء بأنواع الدوافع وأصناف المحفزات. وحتى نحفز شرائح المجتمع وأفراده فإنه ينبغي أن نقبل بتنوع دوافع التطوع، لكن من غير المقبول إطلاقاً أن يكون التطوع وسيلة لتحقيق أهداف غير مشروعة أو أخرى تعارض قيم المجتمع وأعرافه. ولعلنا لا نحتاج إلى عناء كبير لنذكر أنفسنا بالنتائج السلبية الكبيرة عندما استغل بعض الأفراد تبرعات العمل الخيري لدعم أعمال العنف، الذي كان من عواقبه انكماش العمل الخيري السعودي خارجياً بصورة لا تتناسب وسخاء المجتمع السعودي. وأتمنى ألا ننتظر حتى تزكم أنوفنا روائح الممارسات الخاطئة للتطوع بين الشباب والشابات، الذي أشار إلى بعضها فيلم "التطوع الأخير" ويجد العاقل شواهدها في بعض المناطق هنا وهناك.
إن على المنشغلين بقيادة الأعمال التطوعية في المجتمع والجهات الرسمية المعنية أن تبذل قصارى جهدها ليبقى التطوع ممارسة نبيلة صافية، وأن يشيدوا له جدرانا عالية تمنع تسلق العابثين والمشوهين له، وذلك بتأصيل ثقافة تطوعية تراعي القيم والأعراف وتعزيز التجارب الناجحة.
لقد كان "التطوع الأخير" حجراً ـــ لم يخلُ من مبالغة إعلامية ـــ رماه المبدع بدر الحمود في بركة التطوع السعودي، وأتمنى أن تتردد موجاته لتصل إلى المعنيين. فشكراً له ولكل المشاركين فيه، الذين ظهروا جميعاً بمنظر جميل، بمن فيهم بالتأكيد (المتطوع التائب)!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي