انقراض مهنة الجماميل
فرق بين مقاومة التغيير والتطوير لأسباب دينية أو اجتماعية أو بسبب العادات والتقاليد، ومقاومة التغيير لأسباب نابعة من مصالح ذاتية، وإذا تجاوزنا مقاومة التغيير للأسباب الأولى، نجد أن مقاومة التغيير بسبب المصالح الخاصة أمر تعانيه غالبية المجتمعات، حيث لا نجد أن هناك مشروعا يتعلق بتطوير حياة الإنسان وتوفير خدمات متقدمة له، إلا وكان هناك عدد ممن يرون أنهم متضررون من المشروع، فيقفون منه موقف المعارض، رغم إيمانهم بأهميته، ولهذا فليس من الحكمة أو العقل تعطيل، أو تأجيل مشاريع كبيرة من أجل مصالح فئة معينة ترفض التغيير الذي يهدد مصالحها.
وعبر التاريخ كان هناك معارضون للتغيير، بعضهم يغلف معارضته بأسباب دينية أو مجتمعية ليقنع الناس بها، والبعض الآخر يكون واضحاً، فيتحدث عن تأثر مصالحه من جراء هذا التطوير. فعلى سبيل المثال لو تم الإنصات للأصوات المعارضة، لكنا الآن نعتمد على الجماميل في تنقلاتنا، بدلا من السيارات والطائرات والقطارات، ولكانت الكتاتيب متسيدة الموقف، بدلا من المدارس والجامعات، ولكان الهاتف الثابت وسيلة الاتصال الوحيدة، بدلا من الهواتف الجوالة التي أصبحت الآن جزءا من حياة الإنسان.
قبل فترة من الزمن كنت أستمع إلى ندوة اجتمع فيها عدد من أصحاب شركات النقل، فتحدثوا عن مشروع السكك الحديدية وتأثيره في استثماراتهم في قطاع النقل، بل اقترح البعض إعطاءهم مهلة قبل تنفيذ المشروع الذي سيربط مناطق المملكة بعضها بعضا حتى يتخلصوا من جزء كبير من مركباتهم، وحين انتهى تنفيذ قطار المشاعر وبدأ الخدمة في حج هذا العام، تكررت الأصوات التي تتحدث عن شركات النقل التي تعمل أثناء فترة الحج، ومدى تأثير القطار في تشغيلها ودخلها، في حين كان الأولى من مناقشة تأثير مشروع بحجم مشروع السكك الحديدية سينفذ طال الزمن أو قصر، أن يتجه المستثمرون في هذا القطاع للبحث عن مجالات استثمار أخرى، من أبرزها وأكثرها فائدة قطاع النقل المدرسي الذي يعاني قلة المستثمرين فيه من الشركات الكبيرة، كما يعاني فوضى في خدماته، ولو تم توجيه جزء من نشاط النقل إليه وتم تنظيمه، لتحققت فوائد عديدة للمستثمرين، ولأفراد المجتمع، ولقضينا على كثير من تجاوزات العاملين في هذا القطاع، وتفادينا كثيرا من الحوادث المرورية التي تشهدها الطرقات نتيجة دخول من هو غير مؤهل لممارسة هذه المهنة من الأفراد.