هل «أوبك» منظمة احتكارية؟ (13)
بعد أن تم استعراض أهم التطورات في أسواق النفط العالمية خلال 40 عاما الماضية على مدار 12 حلقة، سيتم ابتداء من اليوم استعراض النظريات المختلفة التي تشرح سلوك ''أوبك''، التي يرى بعضها أن ''أوبك'' منظمة احتكارية، بينما يرى آخرون أنها ليست كذلك. كما سيتم استعراض ما يؤيد كل نظرية وما ينقضها. وسيتم في النهاية اختيار النظرية التي تشرح سلوك ''أوبك'' وتقديم شروحات مقنعة لتطورات أسواق النفط العالمية.
ونظرة سريعة للبحوث التي ركزت على ''أوبك'' خلال 40 عاما الماضية نجد أن نتائجها مختلفة. ففي الوقت الذي استنتجت فيه بعض البحوث أن ''أوبك'' منظمة احتكارية تتحكم في الإنتاج وتغير أسعار النفط كما تشاء، استنتج البعض أنها منظمة احتكارية ''أحيانا''، بينما استنتج آخرون أنها منظمة غير احتكارية على الإطلاق. وفي هذا الإطار هناك خلاف آخر يتعلق بهدف ''أوبك'': هل هدف أوبك هو تعظيم الربح أم الإيرادات أم الثروة، أم أن هناك أهدافا اجتماعية وسياسية أخرى؟ وهل ''أوبك'' تحاول تعظيم العائد الحقيقي أم العائد الاسمي لبرميل النفط؟ وإذا كان هدف ''أوبك'' حماية مصالحها، أي من هذه الخيارات يحقق هذا الهدف؟
أوبك والنموذج الاحتكاري
بما أن دول ''أوبك'' تسيطر على نحو 40 في المائة فقط من إجمالي الإنتاج العالمي، فإن النموذج الاحتكاري بمعناه الحرفي كما هو مذكور في كتب الاقتصاد والقانون لا ينطبق على ''أوبك''، (والأمر نفسه ينطبق في حالة قصر السوق على الصادرات فقط). ويعود ذلك إلى أن النموذج الاحتكاري ينطبق على الأسواق التي يوجد فيها منتج واحد يسيطر على كل السوق، سواء كان هذا المنتج فردا أو مجموعة من الشركات التي اتحدت مع بعضها وقررت تقسيم السوق. لهذا فإنه لن يتم مناقشة هذا النموذج وسيتم التركيز على نموذج ''احتكار القلة''.
أوبك ونموذج احتكار القلة
في نموذج احتكار القلة، يسيطر بعض كبار المنتجين على حصة كبيرة من السوق تمكنهم من التأثير فيه، في الوقت الذي ينافسهم عدد كبير من صغار المنتجين. وبالنظر إلى الدراسات التي ركزت على ''أوبك'' خلال 40 عاما الماضية نجد أن كل الدراسات التي تعطي أوبك قوة سوقية أو جزءا منها يمكن تقسيمها إلى ثلاثة نماذج: الدراسات التي تعتبر أن ''أوبك'' هي المنتج المسيطر في الأسواق العالمية، الدراسات التي تعتبر أن قلب ''أوبك'' (السعودية وبعض الدول التي تتعاون معها) يسيطر على أسواق النفط العالمية، وقسم يرى أن السعودية فقط هي المسيطرة. وهنا لا بد من التنويه أن من الشائع استخدام كلمة احتكار، وقوة المحتكر، وأرباح المحتكر، في الوقت الذي يقصد فيه الباحثون احتكار القلة.
أ ــ أوبك كمنتج مسيطر
يفترض هذا النموذج أن أوبك أصبحت منظمة احتكارية فعالة في عام 1973. فقد أصبحت قادرة على تخفيض الإنتاج ورفع أسعار النفط وتحويل ثروات ضخمة من الدول المستهلكة إلى الدول المنتجة. ويرى مؤيدو هذا النموذج أن ''أوبك'' منظمة احتكارية، حيث إنها تجتمع دوريا لمناقشة أوضاع السوق، وتقوم بتخفيض الإنتاج بهدف رفع الأسعار، كما أنها قامت بتبني نطاق سعري، وكل هذا من صفات المنظمات الاحتكارية.
وتعد ''أوبك'' حسب هذا النموذج منظمة احتكارية (كارتل) تتكون من مجموعة من الأعضاء الذين لهم الأهداف نفسها ويسعون معا إلى تحديد سعر النفط، في الوقت الذي يتنافس فيه منتجو خارج ''أوبك'' مع بعضهم بعضا من جهة، ومع المحتكر من جهة أخرى. وحسب هذا النموذج فإن الطلب على نفط ''أوبك'' هو الفرق بين الطلب العالمي على النفط وإنتاج دول خارج ''أوبك''، وهو ما يعرف بالطلب المتأرجح. في هذه الحالة تقوم ''أوبك'' بتحديد السعر الذي يعظم أرباحها عن طريق تحديد الإنتاج عند النقطة التي تتساوى فيها تكلفة الاستعمال (بعض الأحيان يتم استخدام التكلفة الحدية، وهذا خطأ لأن التكلفة الحدية لا تستخدم مع الموارد الناضبة)، مع الإيراد الحدي، ثم تحديد السعر الذي يقابل هذه الكمية على منحى متوسط الإيرادات والذي يمثل الطلب على نفط المنظمة. وبناء على هذا السعر يقوم منتجوا خارج ''أوبك'' بالإنتاج بناء عليه عن طريق مساواة تكلفة الاستعمال الخاصة بهم مع هذا السعر، والذي هو أيضا الإيراد الحدي، ثم تقوم أوبك بإنتاج الكمية الباقية.
وبالنظر إلى بيانات الإنتاج والأسعار التاريخية التي تم تلخيصها في الحلقات الماضية نجد أن هذا النموذج قادر على شرح ما حصل في أسواق النفط العالمية منذ عام 1973. فقد قامت ''أوبك'' في البداية بتخفيض الإنتاج والحفاظ على أسعار النفط المرتفعة بين عامي 1973 و1981. إلا أن السعر الجديد الذي حددته ''أوبك'' كمنظمة احتكارية أسهم في خسارة المنظمة فيما بعد؛ لأنه أسهم في تخفيض الطلب على النفط من خلال الترشيد في الاستهلاك واستخدام مصادر الطاقة البديلة وتحسن التكنولوجيا، كما أنه أسهم في زيادة إنتاج النفط من خارج ''أوبك'' بشكل كبير.
وبما أن ''أوبك''، حسب هذا النموذج، تغطي الفرق بين الطلب العالمي على النفط الذي انخفض، وإنتاج دول خارج ''أوبك'' الذي ارتفع، فإن الطلب على نفط أوبك انخفض بشكل كبير، الأمر الذي خفض حصتها السوقية، كما خفض إيراداته النفطية. وحصل العكس عندما انخفضت أسعار النفط في منتصف الثمانينيات. فقد زاد الطلب على النفط وانخفض إنتاج خارج ''أوبك''؛ مما زاد الطلب على نفط ''أوبك'' ورفع حصتها السوقية. وبالطريقة نفسها يتم شرح التقلبات في الإنتاج والطلب والأسعار منذ ذلك الوقت وحتى وقتنا الحالي، حيث قامت ''أوبك'' بتخفيض أو زيادة الحصص الإنتاجية للتحكم بالأسعار.
نقد نموذج أوبك كمنتج مسيطر
ولكن هذا النموذج، رغم جاذبيته وقدرته على شرح تقلبات الإنتاج والطلب والأسعار، لا ينطبق على ''أوبك'' لأسباب عدة، أهمها:
1 ــ إن الفروض التي بني عليها النموذج لا تنطبق على ''أوبك''. فـ ''أوبك'' منظمة مكونة من دول عدة تتمتع باستقلالية تامة وتتصرف في إنتاجها كما تشاء.
2 ــ يفترض هذا النموذج أن منظمة ''أوبك'' تتخذ قرارات الإنتاج وتفرضها على الدول الأعضاء، وهذا لا ينطبق على الواقع؛ لأن قرارات الإنتاج تتخذها الحكومات أو شركاتها النفطية نيابة عنها. وغالبا ما تتحكم أمور فنية واقتصادية وسياسية في هذه القرارات الفردية. وهناك عشرات الأمثلة التاريخية التي توضح أن هذه الدول تصرفت وحدها.
3 ــ التحليلات الإحصائية تؤكد عدم انطباق هذا النموذج على سلوك ''أوبك''. فكي تكون ''أوبك'' منظمة احتكارية وتتصرف كمنتج واحد فإن على التحليلات الإحصائية أن توضح أن ''أوبك'' هي المنتج المسيطر على السوق من جهة، وأن تثبت تعاون الدول الأعضاء من جهة أخرى. ولكن التحليلات الإحصائية تبين أن أوبك ليست المنتج المسيطر على أسواق النفط العالمية، كما تبين عدم تعاون الدول الأعضاء من جهة أخرى.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي الشركة التي يعمل فيها.