الهوامير الجـدد في القطاع العقاري
تبنت الحكومات سياسة التخصيص لأهداف عدة، أهمها خفض الاعتماد على الإنفاق الحكومي وتسجيل فوائض مالية لموازنة الحكومة، والتفرغ لدور المنظم والمشرع الذي يضمن المنافسة العادلة والكفوءة، ناهيك عن أن خروج الحكومة من المنافسة يعني خروجها من مزاحمة القطاع الخاص الذي بدوره يعمل على قيادة النمو الاقتصادي في بيئة عمل منافسة. ورغم خروج الحكومات الواضح من مزاحمة القطاع الخاص منذ الثمانينات، ومنها المملكة، إلا أن قطاعات أخرى (هوامير جددا) بدأت في الصعود القوي في مزاحمة القطاع الخاص في كل قطاعات الأعمال تقريبا. وهذه القطاعات تتمثل في الصناديق الحكومية السيادية، وصناديق معاشات التقاعد، والتأمينات الاجتماعية شبه الحكومية.
ففي المملكة، يبدو جليا سيطرة معاشات التقاعد والتأمينات الاجتماعية على سوق الأسهم، حيث تمتلك أكثر من 45 في المائة من الأسهم المتداولة في السوق المحلية. وبدأت تدخل في سوق العقار بقوة وتنافس القطاع الخاص بطريقة يصعب عليه منافسة تلك الصناديق في المدى الطويل. فالهبوط الحاد الذي شهده قطاع المكاتب في المملكة مع زيادة المعروض من المكاتب الخالية يؤكد أن مجمعات معاشات التقاعد والتأمينات الاجتماعية في هذا المجال كانت وستظل منافسا قويا ولسنوات طويلة قادمة، وسببا رئيسا للتراجع الحاد في أسعار إيجارات المكاتب. وإذ أسلط الضوء على هذا الدور لتلك الصناديق ليس لدعوتها للتوقف عن الاستثمار في القطاع العقاري، بل للنظر في طريقة استثمارية تسمح للقطاع الخاص والأفراد بالمشاركة في استثمارات تلك الصناديق العقارية. فعلى سبيل المثال، كان بالإمكان خلق شركة عقارية لتطوير مركز الملك عبد الله المالي وفتح الاستثمار فيها للقطاع الخاص والمواطنين من الأفراد؛ حتى يتمكنوا من الاستفادة من الاستثمار في قطاع المكاتب مع شريك قوي هي تلك الصناديق شبه الحكومية، وبذلك تنحسر مسألة مزاحمة تلك الصناديق للقطاع الخاص والأفراد، خصوصا أن معظم المستثمرين في القطاع العقاري هم من الأفراد الذين تأثرت استثماراتهم بشكل كبير في القطاع المكتبي. وفي اعتقادي أن استثمار مثل هذا في وسط مدينة الرياض أجدى وأنفع من فتح الاستثمار في شركة عقارية مثل إعمار.
ويمكن أن تتدارك تلك الصناديق هذه الفكرة عند توجهها إلى القطاع السكني، حيث إن هناك توجها كبيرا لهذه الصناديق في الاستثمار بقوة في قطاع المساكن، وقطاع التمويل العقاري؛ لذا فإن الدعوة موجهة الآن للتفكير جديا في فتح مجال المساهمة للمواطنين والقطاع الخاص في مثل هذه الشركات، وألا تستأثر هذه الصناديق بتلك الاستثمارات، وبالتالي تؤدي إلى الضرر بالمستثمرين الحاليين من القطاع الخاص والأفراد، الذين ينضمون مستقبلا إلى شريحة التقاعدين؛ مما يمكن هذه الصناديق من خدمة المستثمرين الحاليين والمستقبليين (قطاع المتقاعدين) في الحاضر والمستقبل، بصورة تضمن عدالة أفضل في الدخل الحالي والمستقبلي.
وفي اعتقادي أنه لو طرح مشروع مركز الملك عبد الله المالي كشركة مساهمة لوجد إقبالا كبيرا يفوق أيا من الشركات العقارية التي طرحت أخيرا أو المدرجة في السوق حاليا. ولنا في شركة جبل عمر أسوة حسنة، حيث إن سعرها مرتفع بنحو 80 في المائة عن القيمة الاسمية التي طرحت بها، بينما تراجعت أسهم شركتي المعرفة وإعمار إلى ما دون سعر الاكتتاب بشكل كبير. وفي هذا دلالة على أن الحس العقاري الاستثماري لدى المواطنين يتسم بالخبرة والعقلانية في هذا المجال. ولو كانت أي من تلك الصناديق شريكا مؤسسا وبحصة كبيرة في شركة مثل جبل عمر لكان سعر سهم هذه الشركة أعلى مما هي عليه الآن، خصوصا أن الجانب التمويلي لمشاريعها لن يشهد الصعوبات التي يشهدها الآن.
وقد يرى البعض أن تتجه تلك الصناديق في الاستثمار خارجيا؛ نظرا إلى كبر حجم أموالها، مع قدرتها على توظيف أعلى الخبرات، للاستثمار خارجيا للاستفادة من الفرص الاستثمارية هناك، وجلب التقنية محليا، وإخلاء المجال للقطاع الخاص المحلي، ناهيك عن أن الطاقة الاستيعابية للاقتصاد السعودي تظل محدودة، مما يتوجب النظر في الاستثمار خارجيا بصورة أكبر، خصوصا في المجالات التي تحتاج إلى خبارات تقنية عالية مثل صناعات الأدوية والإلكترونيات والمعدات وغيرها من القطاعات التي نعتقد أن تلك الصناديق قادرة على جلب التقنية مستقبلا إلى المملكة.