اللجان الزائرة للجامعات .. آلية جديرة بالنظر

في شهر (أكتوبر) الماضي قضيت بضعة أيام في مدينة بوسطن الأمريكية بدعوة من جامعة MIT للمشاركة في اجتماعات ''اللجنة الزائرة'' في قسم الهندسة المدنية وهندسة البيئة، وكذا المؤتمر السنوي لقيادات الخريجين الذي صادف انعقادهما في تواريخ متقاربة. كلتا المناسبتين كانتا فرصة جيدة للوقوف من كثب على ما يدور من نشاط أكاديمي في أروقة تلك الجامعة التي بنت مجدها على البحث العلمي إلى حد أن بات اسمها رديفا له. ومن بين ما تزهو به MIT هو أن خريجيها وأساتذتها الحاليين والسابقين حصلوا على 63 جائزة نوبل في العلوم والاقتصاد, إضافة إلى المئات من الجوائز الأخرى الكبرى في مجالات الهندسة والتقنية.
من الطبيعي أن مثل تلك الإنجازات لا تأتي من فراغ، بل هي حصاد عمل مؤسسي ضخم يدار بمهنية عالية، ويستمد حيويته من بيئة لا تعرف الكلل أو الملل في سعيها نحو الابتكار والتجديد. وقد أرسى مؤسسو الجامعة منذ نشأتها قبل نحو 150 عاما تقاليد وآليات للحفاظ على تلك البيئة، من بينها تكوين لجان زائرة لمراجعة وتقويم أعمال أقسام الجامعة بمختلف تخصصاتها كل على حدة، يتم تشكيلها بقرار من أعلى سلطة في الجامعة وهو مجلس الأمناء الذي يتمتع بصلاحيات واسعة. ويبلغ عدد اللجان الزائرة في الوقت الراهن 31 لجنة، بما يتناسب مع عدد أقسام الجامعة، تضم في عضويتها أكثر من 400 متطوع من شخصيات منتقاة من حول العالم متعددة المشارب والخبرات في تخصصات مختلفة كالهندسة، العلوم، المال والأعمال، والتربية.
وعلى الرغم من اختلاف طبيعة التخصصات الأكاديمية من قسم إلى آخر، يكاد يكون هيكل تشكيل تلك اللجان متماثلا، إذ تضم كل واحدة منها في عضويتها خمسة أفراد من مجلس الأمناء، أحدهم تسند إليه رئاسة اللجنة، ستة من الخريجين وستة يرشحهم رئيس الجامعة سواء من بين الخريجين أو غيرهم، وتعقد اللجان الزائرة اجتماعاتها في مقر الجامعة بمعدل مرة كل عامين وترفع توصياتها لمجلس الأمناء.
في اللجنة التي شاركت فيها كان هناك عمداء كليات الهندسة في جامعات ستانفورد، الجامعة الوطنية في سنغافورة، والجامعة التقنية في فيينا، رئيس قسم الهندسة في جامعة بركلي، وعدد من رجال الأعمال. وعلى الرغم من أن بعضا من تلك الجامعات يعد من المنافسين التقليديين لجامعة MIT فإن ذلك لم يؤثر من قريب أو من بعيد في شفافية النقاش أو الصراحة المطلقة في تناول المشكلات التي كانت على جدول الأعمال أو أي موضوع آخر لفت انتباه المجتمعين. تلك الروح من العمل الجماعي البناء والأمانة في النصح والمشورة تشكل علامة فارقة في الثقافة والسلوك بين مجتمعات وأخرى.
توزعت جلسات اللجنة على مدى يومين وفق جدول زمني دقيق بدأ من الثامنة صباحا حتى الثامنة مساء في اليوم الأول، بينما اختتمت أعمالها في الساعة الثالثة من عصر يومها الثاني. في تلك الجلسات استمعت اللجنة إلى رئيس القسم الذي تحدث عن الوضع الراهن، العقبات التقليدية كنقص أعداد هيئة التدريس، المساحات المخصصة للمختبرات، ورؤيته لمعالجة تلك الملفات. كما استمعت اللجنة من رئيس القسم إلى خطته الاستراتيجية للسنوات الخمس المقبلة. في تلك الجلسة دار نقاش ثري حول المتغيرات الجديدة في مجال الهندسة المدنية وهندسة البيئة والتأثير الذي بدا واضحا على البرامج التقليدية لتأهيل المهندس المدني في مجال المباني والمنشآت. كانت هناك آراء متباينة حول الموضوع لا سيما عندما عرض الجيل الجديد من هيئة التدريس نماذج لأبحاثهم التي طغى فيها جانب العلوم على الجانب الهندسي.
لم تكتف اللجنة بلقاءاتها مع رئيس القسم أو أعضاء هيئة التدريس، بل حرصت على لقاء عدد من طلبة القسم في مرحلة البكالوريوس، ثم لقاء آخر مستقل مع طلبة الدراسات العليا. كلا اللقاءين اقتصرا على الطلبة وأعضاء اللجنة فقط. أما اللقاء الأخير فقد كان مع رئيس القسم بحضور كبار المسؤولين في الجامعة وعلى رأسهم رئيس مجلس الأمناء. كانت جلسة مكاشفة عرضت فيها اللجنة ما رأته من إيجابيات وسلبيات وحددت بشكل واضح الطرف المسؤول عن تلك السلبيات وما تقترحه من خطوات لعلاجها.
أحببت عرض تلك التجربة لما رأيت فيها من محاسن كآلية تكفل عنصر التجديد في البرامج الأكاديمية بشكل مستدام، عسى أن تأخذ بها الجامعات السعودية, وهي بالمناسبة تختلف عن آلية اللجان الدولية الزائرة ذات الطبيعة الشمولية التي تبناها بعض من تلك الجامعات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي