واقعية السياسة النفطية للمملكة
منذ تولي علي النعيمي وزارة النفط السعودية والسياسة النفطية للمملكة تتسم بالبرغماتية، وتـبتعد عن سياسة الاستعراض والإثارة. فقد انتقلت سياسة المملكة النفطية داخل الأوبك إلى التركيز على سياسة النطاق السعري بدلاً من سياسة توزيع الحصص. فانتقل الصراع من داخل الأوبك حول من تكون حصته الأكبر ومن التزم بحصته تباعاً، إلى وفاق بين المنتجين والمستهلكين في أن سعر السوق هو السعر المقبول للمنتجين والمستهلكين، وهو السعر الذي يحدده الطلب بالدرجة الأولى بناء على حاجة الاقتصاد العالمي وليس عوامل العرض التي استمرت في تجاوز الطلب طوال العقد الحالي. ورغم ذلك استمرت أسعار النفط في مستويات متناغمة مع ما اعترى الاقتصاد العالمي من رواج وركود، واختفت لغة البروبوغاندا بين المنتجين والمستهلكين التي كان يتصنعها بعض وزراء نفط أوبك سابقين أحياناً وبعض قيادة الدول الصناعية في أحايين كثيرة. واتجه الجميع إلى تبني حوار حول الطاقة واتباع الطرق المثلى لاستخداماتها، كما هو الحال لمنتدى الطاقة الذي تبناه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله، واختفى الصراع حول السؤال من ينتج أكثر أو أقل أو من يستهلك أكثر أو أقل، ومن ينتهك قرارات الأوبك، إلى جعل قوى السوق هي التي تحدد السعر، آخذين في الاعتبار أن هناك عوامل كثيرة تؤثر فيه من أهمها صناديق التحوط، خصوصاً أن المعروض من النفط كاف في ظل أن معظم دول الأوبك تنتج بأقصى طاقتها ما عدا دولة أو دولتين.
المتابعون لأسعار النفط لن ينسوا عام 1998 عندما وصلت أسعار النفط إلى نحو عشرة دولارات للبرميل جراء الأزمة الآسيوية، التي سرعان ما تلاشت لتعود أسعار النفط إلى الارتفاع البطيء لكنها لم تكن بالمستويات التي تحقق قدراً معقولاً من الدخل للدول المنتجة. وجاء العقد الجديد بسياسة النطاق السعري التي أثبتت تماسكها حتى الآن. فبينما كان النطاق السعري في بداية العقد بين 22 و28 دولاراً للبرميل، أصبح الآن بين 70 و90 دولاراً للبرميل. ويعبر النطاق السعري - الذي عادة تقوده السياسة النفطية السعودية بين الحين والآخر وتضعه كمؤشر لاختبار السوق النفطية - عن عوامل عدة تعكس بالفعل التذبذب الكبير الذي تشهده أسواق السلع العالمية والعملات ومؤشرات النمو الأخرى. فعندما كانت المؤشرات ضعيفة، كان النطاق السعري بين 70 و80 دولاراً للبرميل، وعندما أخذت مؤشرات النمو قي التحسن، أصبح النطاق الذي تتداوله السوق الآن بين 70 و90 دولاراً للبرميل، خصوصاً أن سعر النفط تجاوز 85 دولارا للبرميل. وهناك توقعات بعودة أسعار النفط إلى الارتفاع لتتجاوز المائة دولار للبرميل قريباً. وتأتي هذه التوقعات من مصادر غربية وليست من دول الأوبك في إشارة إلى أن السوق النفطية أصبحت أكثر واقعية في تعاملها مع العوامل الاقتصادية – وانحسار العوامل السياسية بعد اقتناع الجميع بأن السياسة النفطية للدول المنتجة بقيادة المملكة أصبحت أكثر واقعية، وأصبح بالإمكان وضع توقعات مستقبلية لأسعار النفط.
الغريب في الأمر أن نجاح أوبك في العقد الحالي لم يجد اعترافاً من وزراء نفط سابقين، حيث إن أحدهم ما زال يردد أن أسعار النفط ستنهار دون مسوغات جوهرية تساند آراءه. وأستغرب ذلك خصوصاً وأن الأسعار لم تعد محل خلاف بين المنتجين والمستهلكين، وبذلك فإن آراءه لن تخدم أيا من الأطراف. فهل هو حب الاستعراض والإثارة التي أدخلت المملكة في صراع سياسي واقتصادي مع الدول الصناعية بشأن النفط، وأوصلنا في سنوات ماضية إلى عجوزات متراكمة في موازنة الحكومة مع ما انطوى عليه من سحب للاحتياطيات الأجنبية. إن العبرة بالنتائج، فما نشهده الآن من بناء ضخم للاحتياطيات الأجنبية وما تشهده ميزانية الحكومة وميزان المدفوعات من فوائض لدليل على نجاح السياسة النفطية بامتياز فإلى الأمام.