2010 عام الدروس المستفادة لهيئة السوق المالية

تعتبر تجربة إدراج شركة الخضري درساً مفيد جداً لسوق الأسهم السعوديةً، واختباراً حقيقياً لعملية سجل الأوامر, التي تتبناها هيئة السوق المالية السعودية, فبينما أقبلت الصناديق الاستثمارية على شراء سهم شركة الخضري عند 48 ريالاً وبعلاوة إصدار بلغت 38 ريالاً، لم ينجح السهم في إقناع الجمهور من الأفراد, حيث تغطى بنسبة 83 في المائة فقط. وكان مديرو الصناديق قد رفضوا بنسبة عالية تغطية أسهم شركة الطيار في بداية العام الحالي قبل أن يرفضها الجمهور، ما يعكس خللاً في عملية ''سجل الأوامر'' التي تتبناه الهيئة حالياً، يجب معالجته.
لقد تبنت هيئة السوق المالية عملية سجل الأوامر في محاولة منها لامتصاص الغضب الشعبي من ارتفاع علاوة الإصدار، وتبني طريقة تقييم محترفة يفهما أطراف العلاقة بتقييم الشركات من مكاتب استشارية ومديري صناديق وموظفي الهيئة للخروج بسعر يعكس قيمة الشركة العادلة. لكن القيمة العادلة لمعظم الشركات التي أدرجت في السوق السعودية تتغير بشكل كبير عندما يتم تداولها في السوق. ففي الأيام الأولى تتجه الأسعار للصعود لعدة أسباب، أهمها محاولة البعض الاستحواذ على أكبر عدد مكن من الأسهم للسيطرة والمضاربة فيها لاحقاً، خصوصاً إذا كانت الشركة صغيرة. والبعض الآخر قد يلجأ إلى التجميع لتعزيز مركزه في أسهم الشركة لتتناسب مع استراتيجيتهم لإدارة المحفظة, لكن شركة الخضري خالفت هذا التوجه، فبدأت بالتراجع من اليوم الأول لطرحها، ما يجعل من المهم إعادة النظر في سجل الأوامر المستخدم الآن من قبل الهيئة.
وأرى أن الآلية الأفضل في أن تدرج الشركة مباشرة في السوق ــ متى استوفت شروط الإدراج ــ أن يكون سعر التقييم الذي يضعه الاستشاري وتقبل به الهيئة هو سعر الافتتاح، ثم يترك لعوامل العرض والطلب تحديد السعر السوقي للشركة، وبهذا تتحقق العدالة (السوقية) المرجوة من طرح الشركة, فهي عادلة لأن المتعاملين في السوق يعرفون قواعد العرض والطلب التي تحدد أسعار البيع والشراء، ما يشكل لديهم قناعة بمعقولية السعر الذي تم الشراء أو البيع عنده، وبالتالي يعتبر السعر العادل للمشتري والبائع. وهنا تكمن العدالة المرجوة التي تنطوي على قبول البيع والشراء عند السعر الذي تحدده السوق، أو ما أسميه (العدالة السوقية)، وليس السعر الذي تحدده الصناديق والهيئة والمستشار المالي المعمول به الآن، وأسميه (سعر التقييم العادل). إن من إيجابيات مثل هذا الإجراء أن المؤسسين أنفسهم لن يختلفوا كثيراً مع المستشار المالي والهيئة في تقييم السعر العادل للشركة, وبالتالي علاوة الإصدار. وذلك لأن السهم إن بدأ إدراجه بعلاوة منخفضة، فإن السوق ستقوم بتعديله بالارتفاع من اللحظات الأولى للتداول، وإن كانت علاوة الإصدار مرتفعة، فإن السوق ستقوم بتعديلها بالانخفاض، وبذلك يزول حرج الهيئة والملاك وكذلك المستشار المالي من لوم المتعاملين في السوق، إذ إنهم لن يلوموا إلا أنفسهم في نهاية المطاف.
إضافة إلى ما سبق، يدرك المتعاملون أن زخم السوق يلعب دوراً كبيراً في تحديد الأسعار, فإذا كانت الأجواء المتفائلة هي السائدة، فإن الأسعار تتجه إلى الصعود، وإذا كانت متشائمة فإنها تتجه إلى الانخفاض. وهذا الزخم لا يتم احتسابه في العادة عند تقييم الشركات، ومن الواضح أن الهيئة والأطراف الأخرى المشاركة في تقييم السعر العادل للشركات قبل الإدراج لا تأخذ في الحسبان بشكل دقيق (عامل زخم السوق). ففي أوقات وصول السوق لمستويات مرتفعة (سنة 2005 ــ مثلاً) كانت الشركات تطرح بعلاوات تصل إلى 100 ريال، وفي أوقات وصول السوق إلى مستويات منخفضة (السنوات الأخيرة) انخفضت العلاوات، لكنها لم تكن بالقدر الكافي الذي يعكس زخم السوق، وهو ما أوجد الغضب الشعبي حول علاوات الإصدار.
وإذا أخذنا في الاعتبار ما سبق، يبقى شرط آخر يجب أن تفكر فيه هيئة السوق المالية وهو أن الهدف الرئيس من إدراج أي شركة هو الحصول على التمويل الأرخص عن طريق السوق، وليس بيع حصص الشركاء (لما قبل الطرح) بأغلى الأسعار. لذا فإن أي طرح مستقبلي لأية شركة يجب أن يكون بهدف تمويل توسعات استثمارات ومشاريع الشركة المستقبلية، وليس لخروج الأموال إلى حسابات الشركاء التي قد ينفقونها في نشاطات خاصة بهم بعيدة عن نشاط الشركة. وبذلك تضمن هيئة السوق المالية أن الأموال التي تجمع من السوق تعود بالفائدة على نمو الاقتصاد والمجتمع، وليس لزيادة ثروات الشركاء المؤسسين على حساب المتعاملين في السوق والمجتمع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي